المسجد الأقصى: رمزية أحد أهم الأماكن الإسلامية المقدسة

المسجد الأقصى: رمزية أحد أهم الأماكن الإسلامية المقدسة

 

ندى عثمان

تلقي الكاتبة ندى عثمان نظرة على التاريخ والأهمية والتوترات المحيطة بالمسجد الأقصى وتجيب على الأسئلة الرئيسة حول سبب تبجيله من قبل المسلمين.

 

يعد المسجد الأقصى الواقع في مدينة القدس في فلسطين ثالث أقدس موقع في الإسلام، حيث يجتذب عشرات الآلاف من الحجاج من جميع أنحاء فلسطين والعالم الإسلامي الأوسع كل عام، ويعتبر أيضًا رمزًا للمقاومة الفلسطينية وغالبًا ما استهدفته القوات الإسرائيلية في غارات للجيش الإسرائيلي واقتحامات من قبل جماعات يهودية متشددة ترغب في إعادة بناء معبد في مكانه.

 

يمتد المسجد على مساحة 14 هكتارًا، ويضم قبة الصخرة ذات القبة الذهبية، والتي يمكن القول إنها واحدة من أشهر معالم القدس، بالإضافة إلى المسجد القبلي القديم، وكلاهما يعتبر مكانا مقدسًا.

 

كان للموقع الضخم، المعروف أيضًا باسم الحرم الشريف، 15 بوابة تسمح للمصلين بالتدفق إلى أراضيه من البلدة القديمة المحيطة بالمدينة، إلا أنه لم يعد يستخدم منها سوى 10 بوابات فقط، تخضع لسيطرة الجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح وضباط الشرطة.

 

وتقدم الكاتبة ندى عثمان دليلاً شاملاً عن الموقع المقدس وتجيب على الأسئلة الرئيسة التالية حول أهميته الدينية والثقافية:

 

أين يقع المسجد وما المقصود من وراء الاسم؟

تقع قبة الصخرة في الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة في القدس، ويمكن رؤيتها من جميع أنحاء المدينة، حيث يضم المجمع بأكمله الموجود داخل الأسوار الخارجية مساحة قدرها 144000 متر مربع، وفيه مساجد وغرف للصلاة وساحات ومعالم دينية.

 

كلمة الأقصى لها معنيان في اللغة العربية: “الأبعد” في إشارة إلى بعده عن مكة المكرمة، كما ورد في القرآن الكريم، وكذلك “الأعلى” في إشارة إلى مكانته بين المسلمين.

 

يعتقد المسلمون أيضًا أن الموقع هو المكان الذي قاد فيه النبي محمد إخوته الأنبياء في الصلاة أثناء رحلة الإسراء والمعراج.

 

لماذا يعد الموقع مهم جدا؟

 

إلى جانب أهميته الدينية، فإن الأقصى هو رمز لثقافة ووطنية الشعب الفلسطيني.

 

ويمكن التعرف على قبة الصخرة الذهبية المتلألئة للمسلمين من جميع أنحاء العالم، وتعتبر الصلاة في الموقع امتيازًا عظيمًا، حيث كانت رحلة الحج إلى مدينتي مكة والمدينة المقدستين بالنسبة للمسلمين يشمل التوقف في القدس، وذلك خلال السنوات التي سبقت وضع الحدود الجغرافية الحديثة.

 

ولا تزال باحات الأقصى الشاسعة تجتذب عشرات الآلاف من المصلين الذين يتجمعون كل يوم جمعة لصلاة الجماعة، وخلال شهر رمضان المبارك، تصبح المنطقة مزدحمة بشكل خاص بالمصلين الذين يذهبون إلى المسجد لأداء صلاة التراويح الليلية.

 

كما يشهد المسجد الأقصى وباحاته في يوم عيد الفطر، الذي يصادف نهاية شهر رمضان المبارك، أجواء أكثر احتفالية تشمل الغناء والمواكب وإهداء الحلويات للمارة.

 

أما بالنسبة لليهود، يُعرف الموقع باسم جبل الهيكل، حيث يعتقد الكثيرون منهم أن هناك معبدين يهوديين قديمين – الهيكل الذي بناه الملك سليمان، والذي دمره البابليون، والمعبد الثاني الذي دمره الرومان.

 

ويدعي اليهود المتشددون أن المسجد الأقصى يحتضن “حجر الأساس” للمعبد حيث المكان الذي تم فيه بدء خلق العالم، حسب اعتقادهم.

 

منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية في عام 1967، كان الموقع موضع خلاف بين المصلين المسلمين وتلك الجماعات اليهودية التي تريد استعادة السيطرة اليهودية الكاملة على المنطقة.

 

ما هي بعض المعالم الرئيسة في الأقصى؟

 

يضم المسجد الأقصى العديد من المعالم المرتبطة بمدينة القدس ويتميز بكونه من أفضل الأماكن المعمارية التاريخية المحافظ عليها، منذ الفترة الإسلامية المبكرة.

 

إلى جانب المباني والتصاميم الدينية، يوجد في المكان المقدس 32 مصدرًا للمياه، بما في ذلك الآبار المستخدمة للوضوء، ويمكن أيضًا العثور على العديد من المنابر والمدارس التاريخية داخل جدران الأقصى، بعضها يعود إلى العصرين المملوكي والأيوبي.

 

قبة الصخرة

 

وفقًا للعقيدة الإسلامية، احتوت قبة الصخرة على القبلة الأولى للمسلمين، أو الجهة التي كانوا يصلون تجاهها، حيث كان المسجد الأقصى أحد أقدم المساجد، بعد الكعبة، البناء الأسود مكعب الشكل في مكة، حيث يؤدي المسلمون مناسك الحج والعمرة.

 

يلعب المسجد دورًا رئيسا في رحلة النبي محمد الليلية المعجزة إلى السماء، والمعروفة باسم رحلة الإسراء والمعراج، حيث يعتقد المسلمون أن المسجد الأقصى هو المكان الذي التقى فيه النبي محمد بـ 124 ألف نبي سبقوه، قبل أن يؤم بهم الصلاة.

 

تحظى قبة الصخرة بأهمية دينية وتاريخية، حيث تم تشييد بناء المسجد الأقصى من قبل الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بين 691-692م، فوق الصخرة التي صعد النبي محمد منها إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج.

 

وتقف الصخرة على ارتفاع متر ونصف المتر فوق الأرض، في مكان يسمى “مصلى النبي”.

 

قبة الصخرة هي واحدة من أقدم الأمثلة على العمارة الإسلامية وتشكل التصميم الأصلي للمساجد الإسلامية اللاحقة، ويحتوي البناء الثماني الأضلاع على أربعة مداخل، وهو مزخرف من الداخل بآيات من سورة الإسراء في القرآن الكريم، حيث يقابل المصلين نوافذ زجاجية ملونة كبيرة، مزينة بشكل معقد بزخارف وطباعة إسلامية.

 

يعد المسجد أيضًا موطنًا لأحد أقدم المحارب الإسلامية، وهو محراب في جدار المسجد يوضح اتجاه الصلاة نحو مكة.

 

حائط البراق

 

من أهم المواقع في الأقصى هو جدار البراق الواقع في الحافة الجنوبية الغربية للمسجد، بين باب الرسول وبوابة المغرب، وسمي الحائط بهذا الاسم نسبة للمكان الذي ربط فيه النبي محمد البراق، وهو مخلوق مجنح يشبه الحصان، قبل أن يصعد به إلى الجنة في رحلة الإسراء والمعراج.

 

ويعرف الحائط أيضا لليهود باسم حائط المبكى، ويعتبرونه مقدسا حيث يعتقدون أنه آخر مبنى متبقي من معبد هيروديان، الذي دمره الرومان عام 70 م، والذي يبلغ ارتفاعه حوالي 20 مترًا وطوله 50 مترًا.

 

المسجد القبلي

 

يقع البناء ذو القبة الفضية في اتجاه الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى وهو أول مبنى شيده المسلمون في الموقع.

 

عندما دخل المسلمون القدس عام 638 م، أمر الخليفة الثاني للإسلام عمر بن الخطاب ورفاقه ببناء المسجد، حيث كانت المنطقة قاحلة ومهملة في ذلك الوقت.

 

وكان المسجد، في الأصل، عبارة عن مبنى بسيط مقام على دعامات خشبية، لكن الشكل الذي نراه اليوم تم بناؤه لأول مرة من قبل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان في بداية القرن الثامن.

 

وعلى مر التاريخ، شهد المسجد العديد من الزلازل والهجمات التي تركت بصمة على الهيكل الأصلي، وجرى آخر تجديد كبير له خلال الفترة العثمانية، حيث قام السلطان سليمان القانوني بترميم عدد من المواقع داخل منطقة المسجد، وتركيب سجاد فخم وفوانيس للإضاءة.

 

يوجد اليوم للمسجد القبلي تسعة مداخل، ويقع المدخل الرئيس في منتصف الواجهة الشمالية للمبنى، أما في الداخل، فيوجد أعمدة من الحجر والرخام تدعم البناء، وفي حين تعتبر الأعمدة الحجرية قديمة، فإن الأعمدة الرخامية تعد جزءًا من التجديدات في أوائل القرن العشرين.

 

مع مساحة كافية لاستضافة حوالي 5500 مصلي، يبلغ طول المسجد 80 مترًا وعرضه 55 مترًا، ويوجد في داخله قبة المسجد الخشبية وأعمدة مزينة بفسيفساء زجاجية، والتي تتميز برسوم توضيحية للنباتات وأنماط هندسية وآيات من القرآن الكريم.

 

كيف أصبح الموقع رمزا للمقاومة الفلسطينية؟

 

بالنسبة للفلسطينيين، فإن الأقصى يخدم أكثر من وظيفة دينية وهو مركز الحياة الثقافية، حيث يقيمون الاحتفالات والتجمعات وبيوت الأجر، واعتاد الفلسطينيون زيارة المسجد منذ صغرهم، فهو الرمز الأكثر شهرة لبلدهم.

 

كما يفطر الكثيرون منهم في المسجد خلال شهر رمضان ويذهبون للصلاة فيه أيام الجمعة، وذلك يعتمد على مدى تشديد القيود التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي.

 

سبب آخر لارتباط الفلسطينيين بالمسجد الأقصى هو التهديد على بقائه من قبل الجماعات المتشددة التي تريد أن تكون المنطقة موطنًا لمعبد يهودي، سيعاد بناؤه.

 

كما ان الموقع هو موطن لما يُعتقد أنه متحف فلسطين الأول، المتحف الإسلامي، الذي أنشئ عام 1923 ويحتوي على مجموعات أثرية وفنية نادرة، بالإضافة إلى مخطوطات من القرآن.

 

تاريخ التوترات في الأقصى

 

احتل الإسرائيليون المسجد الأقصى، إلى جانب ما تبقى من القدس الشرقية والضفة الغربية، خلال حرب عام 1967، وبعد الاحتلال، سمحت السلطات الإسرائيلية لليهود بأداء الصلاة عند حائط البراق، ولكن ليس داخل الأقصى.

 

وكنتيجة لهذه القيود، لا يمكن لليهود والسياح الأجانب دخول الموقع إلا من خلال بوابة المغرب، ومع ذلك، كانت هناك هجمات لا حصر لها على الأقصى، معظمها من قبل الجماعات الصهيونية، لكن السلطات الإسرائيلية تعرضت أيضًا لانتقادات لقيامها بأعمال حفريات وهدم في الموقع.

 

وشملت الهجمات ما حدث خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1988، حين اقتحمت القوات الإسرائيلية المصلين المسلمين الذين كانوا في الفناء خارج قبة الصخرة، مستخدمة الغاز المسيل للدموع والرصاص الفولاذي المغلف بالمطاط، مما أدى إلى إصابة الكثيرين.

 

وواحدة من أبرز الأحداث الأخيرة وقعت في سبتمبر 2000، عندما قام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك، أرييل شارون، بجولة في الأقصى، محاطاً بجنود إسرائيليين مدججين بالسلاح، فيما شكل هذا العمل استفزازًا كبيرًا للفلسطينيين وأدى إلى تأجيج التوترات، واندلاع الانتفاضة الثانية.

 

في عام 2015، دخل اليهود الموقع للاحتفال بالذكرى السنوية للاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية، مما أثار الاحتجاجات الفلسطينية التي جوبهت بالقمع العسكري الإسرائيلي.

 

فتاريخ 17 مايو، المعروف باسم “يوم القدس”، عادة ما يشهد تصعيدًا للعدوان الإسرائيلي على المدينة وأهلها.

 

وعادة ما يواجه المسلمون صعوبات عند دخول الأقصى بسبب الإجراءات الأمنية الإسرائيلية المشددة والتي تفرض بشكل خاص على فئة الشباب الذين يمنعون منعا باتا من الدخول خلال فترات التوتر المتصاعد.

 

وتسمح السلطات الإسرائيلية للمسلمين في الضفة الغربية دخول الموقع فقط بتصاريح دخول خاصة، وتختلف القيود المفروضة لتصل إلى الحظر الكلي في أيام معينة.

 

وتتوتر الأجواء بشكل خاص خلال شهر رمضان، عندما تحظر السلطات الإسرائيلية على المصلين الفلسطينيين الدخول للمسجد لأداء الصلاة فيه، أو عندما يقوم أعضاء الكنيست بجولة في المنطقة.

مقالات ذات صلة