fbpx

“أصوات من غزة… ماذا سيفعل الصاروخ بحضن أمي؟!”… يوميات تحت القصف في غزة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نحن لا نريد القتال ولا نحب الموت ولا رائحة الدماء، لكن هذا ما فرضه العالم علينا، سنترك خلفنا كل أفكارنا عند الأصدقاء، كل ما كتبنا وكل الأمنيات التي خرجت من صدورنا والتي بقيت عالقة في المحادثات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أنا عصام هاني حجاج من فلسطين،  وُلدت في حي الشجاعيّة في غزة، عمري 27 سنة، درست الأدب الإنكليزي، وأكتب الشعر منذ عام 2014. عملت كمدرب كتابة إبداعية للأطفال في قطاع غزة، وأعمل كمنسق منذ 2020 على مشروع “المجاورة” مع التربوي منير فاشه، والمشروع وسيط تعليمي بديل للجامعات والمدارس التي تحاول بثّ السموم عبر المناهج البلاستيكية في فلسطين وخارجها.  عشت 6 حروب داخل قطاع غزة، قُتل الكثير من الأصدقاء والأقارب على يد الاحتلال الإسرائيلي، لأننا ندافع عن حقنا في الحياة الذي سلبه الاحتلال.

أكتب ليعرف العالم عن حق القضية الفلسطينية وعن الجرائم والمجازر التي يرتكبها الاحتلال منذ 75 عاماً، وأننا نُسلب أبسط حقوقنا في الحياة والأمان، وأني لا أستطيع السفر والحديث عن قضيتي العادلة إلا عن طريق كلماتي. أكتب لكي يعرف العالم قصتنا الحقيقية، وأن الاحتلال يشوّه صورتنا أمام العالم، وأن لنا الحق في الدفاع عن أنفسنا.

أكتب من أمام البلور المطل على حديقة بيتي المليئة بالبلح المتساقط على الأرض، هذه النخلة زرعها جدي قبل سنوات طويلة، والذي مات قبل عامين عن عمر 80 عاماً، أكبر من عمر الاحتلال. كنت أود القول إن صباحي يشبه الياسمين الذي يُغطي البيت، لكن الأصوات كفيلة بأن تنزع منك كل المشاعر وتقذف في قلبك الخوف، أصوات هرولة الأطفال إلى حضن أمهم ظناً منهم أن هذا الحضن الواسع يحمي من طائرات الاحتلال، لكن إذا كان الحجر قد دُمِّر فماذا سيفعل الصاروخ بحضن أمي؟!

أحب الكتابة وأشعر بأنني أملك العالم عندما أكتب. لدي ديوان لم يُنشر بعد، وأكتب حالياً كتيباً عن السردية الفلسطينية وكيفية تصدير الرواية الفلسطينية عالمياً من دون تشويه. وإن أردت التعريف عن  نفسي بكلمة واحدة فستكون “متأمل”. أتأمل الماضي حتى أبني فهماً جديداً للحاضر، وأكون شريكاً في تكوين المعنى. أعمل أنا وصديقي منير فاشه مع مجموعات عدة حول العالم لندخل “المجاورة” في الجامعات والمدارس بشكل رسمي. وقد وافقت جامعة بيرزيت أن تكون “المجاورة” جزءاً رسمياً منها بشكل مبدئي. ونعمل في “المجاورة” على تحرير الفكر وليس حرية الفكر، وعلى تقدير ذواتنا ومعرفتها بشكل جيد عن طريق الحكمة.

أحلم أن تصل قصتي الى العالم. أنا الآن محاصر في غزة- حي الزيتون مع عائلتي وعائلة خالتي بعدما نزحنا من بيتنا في الشجاعية.

السبت 7-10-2023

أخبار تهدّد كل القطاع بالقصف، تلتها بداية الاحتلال بالقصف بشكل عشوائي من دون رحمة أو تحذير. يخرج الاحتلال أمام العالم ليقول إنه يحذّر المدنيين قبل قصف بيوتهم، وإن كل ما يُقصف هو تابع للمقاومة، لكن من ماتوا، في غالبيتهم، هم من الأطفال والنساء، وكانوا في بيوتهم وذنبهم الوحيد أنهم فلسطينيون. اليوم، ستُقتل أمام العالم لأنك تدافع عن نفسك.

في النهار، تكون الأوضاع هادئة نسبياً لكنها تتحوّل الى ساخنة بين لحظة وأخرى. أما في الليل، عندما تنطفئ الأنوار في المدينة رغماً عنا، تشتعل الطرقات بالانفجارات وتتصاعد منها ألسنة النار.  المدة بين انفجار  وآخر لا تتعدى الخمس الى العشر  دقائق، ولك أن تتخيّل صوت الانفجار الذي يكون أعلى بمائة مرة مقارنة بصوته في النهار، فيما أجسام لا تتحرّك تتلقى الموت من كل مكان.

الأحد 8-10-2023

عاش من عاش ورحل من رحل وبقيت ذكرياته، يوم آخر والمزيد من الوحشية. الجيش الإسرائيلي يرسل إلى الفلسطينيين في غزة رسائل تفيد بالذهاب إلى الملاجئ المعروفة، ويخبر العالم أنه يعاملهم  بإنسانية. لكن ما لا يعرفه الجميع، أن لا ملاجئ داخل غزة، ما يضطر الناس إلى اللجوء في مدارس الأونروا، التي تُضرب هي أيضاً.  يأمر الجيش الناس بالذهاب إلى منتصف قطاع غزة الساعة الرابعة عصراً، وفي ساعات الليل يبدأ بقصف منتصف القطاع، ثم في ساعات الليل يأمرهم بالخروج من بيوتهم ليقوم من ثم بقصف منتصف القطاع مجدداً. ما هذا الجنون؟ ما هذا الرعب الذي يحاول الاحتلال زرعه في قلوب الأطفال والأمهات؟

الاثنين 9-10-2023

 رائحة غريبة، أشعر بأن رئتي ستنفجر في أي لحظة، أوجاع غريبة في كامل جسدي، وهذا يعني أننا نُضرب بالفوسفور المحرّم دولياً. الجيش الإسرائيلي مرة أخرى، يطلب من سكان القطاع المغادرة إلى مصر، وفي اللحظة نفسها يقصف معبر رفح البري، لا مياه، لا كهرباء، لا إنترنت، فيما وسط المدينة حيث مصالح الناس قد دُمّر بالكامل، وجميع المساعدات توقفت والعالم يطبق فمه صامتاً عن هذه المقتلة.

من هنا، نقول للعالم: أنتم لا تعرفون أن هذا حقنا في الدفاع عن أنفسنا مهما حاولتم تشويه صورة الفلسطيني في العالم. هذا حقنا منذ بدأ الاحتلال الصهيوني بقتلنا و تهجيرنا عام 1948 وسلب أرضنا. رؤساء العالم يعرفون ذلك، ولهم يد أيضاً” في هذا الاحتلال. البعض يعرف ما يحصل، والبعض الآخر ، وهو العدد الأكبر، مُغيّب ولا يعرف حقيقة الأمر، لكن هذا لا ينفي حقيقة حقنا بالدفاع عن أنفسنا مهما حصل.

جدي الذي زرع النخل أمام بيتنا قبل موته، كان يرفض الخروج من البيت في كل عدوان على قطاع غزة، ونحن أيضاً لن نخرج قسراً.

الأربعاء 11-10-2023

إنها العاشرة ليلاً، أفترش الأرض أنا وأخي عند درج البيت، والباب أمامنا مفتوح قليلاً كي تدخل نسمات الهواء لنشعر قليلاً بأرواحنا. الساعة العاشرة تعني أن وتيرة القصف بدأت بالتصاعد والأصوات باتت أعلى مما هي عليه في النهار. نسمع أيضاً صوت صراخ من بعيد، ربما يكون صوت مدني قُصف منزله أو صوت أناس يهربون من بيوتهم، إلى الشارع أو إلى بيت آخر ربما سيُقصف لاحقاً. 

أفكر متمتماً بصوت منخفض، كيف يفهم العالم معنى العدوان من دون أن يجربه؟ أتذكر صديقتي أثناء عدوان عام 2014، عندما جاء وفد أجنبي إلى غزة تحدّث الأصدقاء معهم عن وحشية الأصوات التي كنّا نسمعها وعن بشاعة القتل والدم، لكنهم لم يستطيعوا تخيّل ذلك. عندها أشارت صديقتي الى خوفها من دخول الحمام أثناء الحرب، وخوفها على قطتها من الموت بسبب القصف، هُنا بدأ الوفد يشعر قليلاً بمدى قسوة العدوان، فللموت والوجع لديهم معايير أيضاً. 

أحاول منذ 8 أشهر أن أدّخر المال للسفر وإكمال دراسة الماستر لعلّي أستطيع بناء مستقبل أفضل لي ولعائلتي. جمعت خلال تلك الأشهر 500 دولار فقط، وفي يوم واحد انقلب كل شيء رأساً على عقب، وانتقل حلمي في السفر والدراسة من صدري إلى مرحلة سكرات الموت، وصار همي الوحيد أن أخرج حياً من هذا العدوان. بدأت أنفق من مدخرات الدراسة، وكأن الحلم بدأ يتلاشى تدريجياً أمام عيني.

هذا العالم وحشي بكل ما يملكه من قوانين، لأن الشعور بوجع الآخر أصبحت له أيضاً معايير خاصة عليك أن تتقنها كي تخبرهم بأن في هذه البقعة من العالم أملاً نحاول التسلّح به، لكنكم تقتلون هذا الأمل. إذا كنتم تريدون إعادة تسمية الوجع كما تريدون، ذلك يعني أنكم تتجردون من إنسانيتكم وتتبعون المدنية الحديثة التي تحاول دائماً وضع الإنسان في قالب بلاستيكي.

الخميس 12-10-2023

بعد محاولات عدة للنوم والتغلب على أصوات الانفجارات، يأتيك البرد القارس ليوقظك حتى لا يفوتك أي قصف. الآن، مجزرة جديدة في أبراج الكرامة في غزة، الناس تناشد سيارات الإسعاف، لكن المنطقة ما زالت تُقصف، أخبار تتحدث عن أن الناس تفحمت ولم يصل لإسعافها أحد، فيما القصف لم يتوقف والفسفور الأبيض والصواريخ الارتجاجية تهلك أجسادنا.

في هذه اللحظة، وفي ظل البرد ونخزات صدري وبالتزامن مع قصف شارع الرشيد، أتذكر البحر، ففي كل شتاء أشعر بألم في صدري، لم أعرف سببه على رغم الفحوصات الكثيرة التي أجريتها. شارع الرشيد المطل على البحر المسمى بالكورنيش والمتنفس الوحيد لأهل غزة، يُقصف بشراسة.

هل عندكم بحر؟ 

المقهى المجاور للبحر الذي جمعني بالأصدقاء لسنوات، والذي شهد على ارتفاع أصواتنا وصراخنا وضحكاتنا وبكائنا وشكوانا، يُقصف. مكان لقاءات العشاق خلسةً والمرة الأولى التي تتعلم فيها أن تمسك يد حبيبتك، يُقصف. 

بين كل كلمة وأخرى أكتبها أسمع صوت انفجار، وبينما أكتب تصلني رسالة من صديقي محمد من النصيرات، تفيد بأن أربعة منازل حول بيتي مهددة بالقصف، وأن الحارة بكاملها نزحت. بين لحظة وأخرى هناك موت ونزوح. وصديقتنا تتساءل، من الذي حوّل المدارس إلى ملاجئ؟

المدارس، على الرغم من أن هدفها تعليمي، وخصوصاً مدارس الأونروا التي ينزح إليها السكان، إلا أنها وجه آخر للاحتلال المعرفي والتفرقة. إنهم يدسّون السم في المناهج ويمنعون الطلاب من التضامن مع القضية الفلسطينية بأي شكل. لم يكتف الاحتلال بالسيطرة العسكرية، بل يحاول أيضاً السيطرة معرفياً حتى يتم تطهير العرق الفلسطيني من الجذور.

 1974 عام من الاحتلال، وُلدت عام 1996 ولم أقع في فخ الاحتلال المعرفي. 

الجمعة 13-10-2023

10 تشرين الأول، يوم ميلاد أمي. منذ نزوحنا من البيت الواقع في حي الشجاعية وهي تجلس على الكرسي، وفي يوم ميلادها قالت: “إذا كل أم خبت ابنها مين راح يدافع عن الأرض”. 

يذكرني كلامها في كل مرة كانت تقول لنا، “توضأ قبل خروجك من البيت، لا تعرف ماذا يحدث لك”. أمي سلمت أمرها لله منذ زمن، وهذا يفسر قوتي النفسية في التعامل مع ما يجري، الوضع كارثي لا أنكر ذلك، الموت في كل مكان، الصراخ يعلو المدينة، كلها حقائق أسمعها وأراها، هناك تصريح أيضاً من وزارة الصحة يقول: “يوجد نقص في أكياس الجثث”. لكن الأمر سهل، سترسل الدول العربية مزيداً من الأكياس.

تحاول ابنة خالتي كسر كآبة الموت بكعكة عيد الميلاد مع مراعاة حرمة الموت. ما أخشاه أن تُزيَّن الكعكة بالرماد لأنهم يغتالون الحياة ونحن نحب الحياة ونقاوم الموت، لكن أمي بدلت كعكة الميلاد بوصيتها: “إذا كل أم خبت ابنها مين راح يدافع عن الأرض”.

نحن نتعرض لإبادة جماعية أمام الجميع، وكل ما أريد قوله هو أن شبح ذنبنا سيلاحقكم بينما نحن في ضيافة الله.

السبت 14-10-2023

نحن الآن في بيت خالتي، البيت الذي نزحنا إليه من العدوان على غزة. في كل لحظة، نسمع صراخ نساء وأطفال في الشوارع يأتي من بعيد كأنه وحش ينهش أرواحنا.

الساعة الرابعة عصراً ، اتصل الجيش بعائلة الجيران آمراً بإخلاء البيت، وبعد ساعات من التوتر لم يقصف. إنه فخ، حرب نفسية، يخرجون العائلات إلى الشوارع ليلاً ويزرعون الرعب في قلوبهم ليكرهوا هذه الأرض ويتركوها إلى الأبد.

الساعة الآن الثامنة مساءً، نصلي صلاة العشاء جماعةً، نسمع صوت صراخ أطفال ونساء في الشارع. فتح ابن خالتي باب البيت ودخل سريعاً، أنهيت صلاتي ونظرت إلى يساري، عشرة أطفال يكسر صوت بكائهم القلوب، طفلة منهم كانت تبكي بحرقة، وعندما سألنا بسذاجة عن السبب، قالت إن حذاءها سقط في الشارع بينما هي تهرب من الموت، وتريد الرجوع لتأخذه. عندها بكيت، كيف يا الله نقول لطفلة إن ما يجري أكبر من فردة حذاء سقطت على الأرض ولا نستطيع الخروج لجلبها لها؟ كيف نقول لها إننا نستطيع شراء واحد جديد لكن ليس بإمكاننا أن نشتري مثلها؟ كيف نشرح لها كيف خذلنا العالم وتركنا لموتنا؟

الأحد 15-10-2023

في عام 2000، شاءت الأقدار أن أجتمع بأحد المقاتلين الذين حوصروا  في كنيسة المهد، هذا الرجل يفهم الوضع جيداً، قليلاً ما سمعت أحداً يتحدث مثله، يفهم ما يدور حوله ويدرك خذلان الأنظمة العربية جيداً. بعد حصارهم في الكنيسة، توصّلت إسرائيل إلى حل بتهجير جميع من حوصروا الى دول أوروبية، لكن أبو عمار (ياسر عرفات) رفض ذلك. كان عددهم كبيراً، هُجّر منهم 100 شخص، المشاهد كانت دامية، جثث الشهداء كانت تملأ ساحة الكنيسة، أكلوا ورق الشجر ولم يشربوا لأيام.

حاولنا أن ننام قليلاً لنعطي أجسادنا فرصة للراحة في حال أُجبرنا على النزوح مرة أخرى، ننام على أصوات القذائف ونصحو عليها أيضاً. بعد لحظات قليلة من صلاة الفجر، خرج الشاب وعائلته من المنزل، وراحت الطفلة تجري إلى الشارع كي تبحث عن حذائها الذي سقط منها البارحة أثناء الهرب. 

يطلب الجيش الإسرائيلي، عبر نشرات الأحبار، من أهالي شمال قطاع غزة الذين يبلغ عددهم 101 مليون فلسطيني، التوجه نجو الجنوب. المقلق في الأمر، أن الأمم المتحدة، وعبر رسائل الـSMS،  أبلغت موظفيها وموظفي الهلال الأحمر بالخروج  من شمال القطاع إلى الجنوب، لا أحد يوضح حقيقة الأمر، لا أحد يعرف ما إذا كانت حرباً نفسية، لكن هناك مهلة 24 ساعة للخروج.

الناس خائفون، لا يريدون أن يصدقوا أن ما يحصل هو فقط ترهيب، لكننا عشنا هذه الكارثة سابقاً، وهنا الخوف. عندما طلبت الجبهة الداخلية عدم الخروج من الشجاعية عام 2014 عشنا أبشع المجازر، الوجع لقننا درساً.

نحن نعيش مهزلة التهجير أمام العالم منذ عام 1948، العالم يتفق علينا ويريد الثأر منا، لماذا هذا الإنكار تجاه ردة الفعل العالمية والعربية؟

يا الله، إنني أفتقد مظفر النواب، أفتقد كلماته الصارخة سيئة المعنى، لأنها تُرضي شيئاً ما بداخلي أو ربما تخفف من غضبي. 

الأنظمة فاسدة، الشعوب عارية الآن، لكنها قادرة على تغيير الفرضية، والتاريخ ليس بهذه الأهمية أمام السؤال عند الله، ماذا فعلت؟!

الاثنين 16-10-2023

دوامة النزوح ترافقنا كل يوم في مكان جديد، ومثلما قال عامر حليحل في مونودراما “طه” عن نزوح الفلسطينيين عام 1948، “بناكل وبنشرب وبننام بس إحنا بدناش ناكل ونشرب وننام إحنا بدنا نروح”. عاد طه من لبنان إلى فلسطين حتى لو كان ثمن العودة الموت.

بعد طلب الجيش الإسرائيلي من سكان القطاع النزوح من الشمال إلى الجنوب، الى ما بعد وادي غزة، اشتدت الأوضاع البارحة وخرج الناس من بيوتهم وخرجنا معهم كما طلبوا. وفي الطريق قصفونا، أكثر من مائة قتيل على خط سير واحد، فيما الناس هاربون من الموت إلى قضاء الله.

وصلنا إلى بيت في الجنوب وفي صدورنا غضب وحسرة لا توصف، جلسنا على مقاعد إسفنجية. وبعد لحظات، قلت بصوت عالٍ: “أنا وصلت معي لهون (وأشرت إلى أنفي) بكرة راجع على البيت”، وقالت أمي: “في 1948، بقي من بقي حتى اللحظة ولم يخرج، وكان هدفهم الترهيب”.

في الصباح، عدنا إلى البيت، نحاول الآن الحصول على لتر بنزين لتشغيل مولد الكهرباء لتعبئة المياه وشحن البطاريات لنتواصل مع العالم ونعرف ما يدور حولنا. قال لنا صاحب المحطة بكل دم بارد: “أُمرت بعدم بيع البنزين”. عدنا إلى البيت في الزيتون، يقع بيت خالتي بالقرب من الشجاعية، ربما نفقد التواصل بشكل نهائي هذه المرة، لكننا لن نخرج من البيت، نموت أو نخرج سالمين.

الثلاثاء 17-10-2023

لست خائفاً من الموت، وإذا كان لا بد من أن يأتي الصاروخ فليكن قاسياً جداً ولا يترك مني شيئاً، الحياة ضيقة جداً والخوف يأكلك إذا ما تركته يعيش فيك، يسري في دمك مثل السم.

نحن لا نريد القتال ولا نحب الموت ولا رائحة الدماء، لكن هذا ما فرضه العالم علينا، سنترك خلفنا كل أفكارنا عند الأصدقاء، كل ما كتبنا وكل الأمنيات التي خرجت من صدورنا والتي بقيت عالقة في المحادثات.

على من يبقى حياً أن يفهم جيداً أن العالم الغربي والكثير من العالم العربي، لا يدرك حقيقةً ما يحدث لنا ولا يعي مجريات الأحداث بشكل صحيح.

لذلك، أدعوكم إلى العمل على تحرير الفكر الاستعماري من عقولنا العربية لنفض الغبار، أدعوكم لفهم الاحتلال المعرفي وكيف يلعبون بالكلمات، كلمة واحدة بمفهوم خاطئ قد تصل إلى الشعوب بمفهوم ينسف حقنا.

الدول التي تنادي بحرية الرأي والتعبير هي من أوائل الدول التي منعت شعوبها من مناصرة غزة وفلسطين، وهي تعرف جيداً أن قادتها هم السبب في ما يحدث لنا لأنهم زرعوا إسرائيل في الشرق الأوسط.

لقد شهدنا الكثير من الموت ولم تبق للخوف من الموت مساحة، لكننا نخاف الشعور بالحياة.

الثلاثاء 17-10-2023(2)

يقتلهم هذا العناد، يستفزهم حد الجنون، كيف لشعب أن يحب بلاده الى درجة الموت، كيف لهم أن يتخلوا عن أرواحهم في سبيل قول كلمة “لا” في وجه الظلم.

تُجرى منذ أيام محادثات من أجل هدنة إنسانية لدخول المواد الغذائية والطبية الى القطاع، وفي كل مرة يتأمل الشعب بفتح معبر رفح البري لدخول المساعدات، يقصف الاحتلال المعبر  وكل الشوارع المؤدية إليه بشكل عنيف. هناك نقص في المستلزمات الطبية، والاحتلال يطالب بإخلاء المستشفيات أيضاً، كل ما يحدث يدل على أن الاحتلال يريد أن يذل الشعب الفلسطيني، أين تذهب المستشفيات؟ وأين يذهب الجرحى والمرضى؟ وما الكارثة التي ستحل بنا إذا فعلنا ذلك؟ نحن أصلاً تحت هجوم فاشي.

البارحة فتحت وزارة الصحة مقابر جماعية، الموتى يُدفنون من دون التعرف على أسمائهم، أهاليهم تحت الأنقاض ولم يتعرف عليهم أحد لأنهم أشلاء، ونقترب من حدوث كارثة بيئية وانتشار الأمراض، أول مقبرة دُفن فيها 75 شخصاً والثانية 35. جميع من ماتوا أبرياء، نحن أبرياء، الشعب الفلسطيني يتعرض لإبادة جماعية.

الأربعاء 18-10-2023 

صديقتي تقول إن تشرين الأول هو شهر الوقوع في الحب، ينتقل الجو من الحرارة الشديدة إلى نسمات الهواء الباردة، وعندما نخرج ليلاً لنسهر مع الأصدقاء نأخذ معنا شيئاً ثقيلاً لنغطي أنفسنا من برد النسمات، ومن ينسى أن يجلب معه شيئاً، يحتمي في كتف صديقه حتى يعود إلى البيت ويحتمي بالجدران.

الليلة كانت قاسية جداً، جيش الاحتلال حوّل تشرين الأول من شهر الوقوع في الحب إلى شهر قتل الأصدقاء. البارحة الساعة السابعة مساء، قصف الاحتلال مستشفى المعمداني في قطاع غزة، ما أدى الى مقتل أكثر من 500 شخص وإصابة الآلاف.  مات من بينهم صديقي، محمد قريقع، شاب طويل القامة، حسن الوجه، كانت لوحاته الفنية تعبر عن وحشية الاحتلال. خرج محمد من بيته في الشجاعية إلى مستشفى المعمداني ليحتمي من القصف، ترك كل لوحاته في البيت، ترك روحه هناك ونزح، ولم يكن يعرف أن الموت ينتظره.

الاحتلال يُنكر المجزرة التي قام بها ويقول إن “حماس” هي من فعلت ذلك، لكن حجم الدمار في المستشفى واضح ويثبت أنهم هم من قاموا بهذه المذبحة، لا أحد يستطيع فعلها غيرهم.

جفت الكرامة من وجه العالم وهم يشاهدون ما يحصل، جفت العروبة والإنسانية من قلوب الناس، حتى منظمة حقوق الإنسان أصبح وجودها كعدمه لأن الفلسطيني في نظرها ليس إنساناً.

الآن، يقع الشباب في الحب في باريس وبرلين وبرشلونة، محمد لم يكن في أي من هذه المدن، بل كان في مستشفى المعمداني ليقول للعالم: لوحاتي تشهد أن تشرين الأول هو شهر الموت.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.