بقلم: الدكتور هشام خلوق
(فاصل دُودي قبل الرجوع لمقاطع الخال رحمه الله)
ذات ظهيرة، وكان اليوم حار جدا، مررت بشارع تصطف فيه المطاعم بحثا عن طبق لذيذ أداوي به جوعتي، وأسعد به معدتي. ومن عادتي أن أختار المحل الأقل إقبالا، إيمانا بأنني رزق يسوقني الله للأقل حظا…
وبعد تردد استقر اختياري على مطعم يقدم الوجبات الخفيفة والمقلية…
المكان ضيق وفارغ تماما من الزبناء، ويشكل الاستثناء وسط المطاعم المكتظة حوله. يقف على بابه رجل عجوز، استقبلني بابتسامة متحفظة، فرددت على ابتسامته بأحسن منها، ثم دلفت للداخل…
المكان بسيط لكنه نظيف… جلست في الزاوية القصية، ثم طلبت بعض الطعام المقلي المعروض على واجهة المحل. ومن اللقمة الأولى أحسست أن الطعام تأثر بحرارة الجو كثيرا، فتغير طعمه. أخذني التفكير بعض الشيء، وحين قررت القيام بما يجب، وبما يفرضه الموقف، توقف عقلي وتحرك قلبي المتعاطف مع الشيخ، فابتسمت ابتسامة رضا كي لا أكسر قلبه، ثم توجهت نحوه بهدوء، ودفعت ثمن الأكل وخرجت…
قد يلومني الكثيرون على موقفي السلبي، ومن حقهم… لكنه جرمي وليس جرمهم…
قد يدعي أصحاب المبادئ أن سلبيتي قد تتسبب في تسمم من سيأكل بعدي في ذلك المطعم، ومن حقهم… لكنني أسأل نفسي وأسألهم:
كم هي عدد المواقف التي نمر عليها يوميا، ونقف على حقيقة أنها تتطلب اتخاذ موقف، لكننا نصمت أمامها خوفا على أنفسنا أو تجنبا للمشاكل؟
لماذا لا تتحرك النخوة والشرف والمبادئ إلا أمام الضعفاء؟
هناك مواقف تتطلب حضور العقل، وأخرى تتطلب حضور القلب… وثالثة تتطلب استدعاء الشجاعة… وهناك مواقف لا تتطلب فعل شيء… وكم حاجة قضيناها بتركها…
وهنا أعرِجُ على صاحب قناة في اليوتيوب وزوجته…
الزوجان قاما بتصوير شريط فيديو في أحد مطاعم شلالات أوزود، وادّعيا أنهما أكلا طاجينا فيه دود. والغريب أن الدود لم يظهر لهما إلا بعد أن أجهزا على الطاجين، ولم يتركا فيه إلا قطعا من اللحم لإثبات الجرم…
يا سيدي العاقل… ويا سيدتي الفاضلة… قد تكونان على حق، لكن الحق لا يمنع عنكما تهمة الإساءة… ولتعلما أن الكثير من كلمات الحق تحمل أهدافا باطلة…
ولنفترض معكما جدلا أن ما ادعيتما وصورتما حصل فعلا… فما ذنب باقي المطاعم في شلالات أوزود كي تشوّها تاريخها الكبير؟
ما ذنب السياحة المغربية بعد أن أصبحت صور الطاجين المصور تجوب القنوات العالمية؟
ألم تخجلا وأنتما تريا الفيديو المصور في دقائق يجهز على سمعة المطبخ المغربي المصنف في المركز الثالث عالميا، والذي تطلب بناؤه أجيالا وقرونا؟
ألم تفكرا لحظة أن يكون طرف ثاني (أحد العاملين في المطعم مثلا) هو من قام بوضع قطعة لحم بها دود لينتقم من صاحب المطعم؟
ألم تتوقعا تورط طرف ثالث؟
أو غدرا من طرف رابع؟
أو خطأ من طرف خامس؟
أو عذرا يسوقه طرف سادس؟
ألم يكن كافيا تصويركما الفيديو كدليل وتقديمه للسلطات دون نشره ؟
ألا تظنان أنكما قد أصدرتما الحكم قبل المداولة، وقبل نطق القاضي المختص؟
وهل يمكن أن نستبعد تورطكما في الفعل، خاصة وأن خرجاتكما الإعلامية المتكررة حدّ الملل جاءت لتؤكد استرزاقكما من القضية؟
ثم كم هو عدد “اللايكات” التي حصلتما عليها بعد تصوير الفيديو؟
وكم هو حجم الكوارث التي تمران عليها يوميا مرور الكرام وتبتسمان ابتسامة احترام كاملة، دون القدرة أو الجرأة على التصوير والنشر؟
ألا تظنان أن الدود الذي يسكن العقول هو من يتحكم في سرعة تصوير ونشر الكثير من الشرائط الفاضحة وطرحها للعموم؟
المهم الأسئلة كثيرة، والجواب بين يدي صاحب الحساب، المطلع على النوايا…
وعند الله تجتمع الخصوم….
لذلك أختم بكلمات شعرية لسيدنا علي كرم الله وجهه، تلخص كامل القضية:
أمــــا والله إن الظـــــــلم شـــــــــــــؤمٌ . . . ولا زال المــــســـيء هو الظلـــــــــومُ
إلــــى الديــــــان يوم الديـــــن نمضــي. . . وعنـــــد الله تجـــــتمع الخـــــصـــــومُ