ولد عمر الخيام في نيسابور، عاصمة خراسان، عام 433 هـ الموافق ((1040 م))، في عهد السلطان أرطغرول الأول، وتوفي سنة 517 هـ الموافق ((1123 م))، في عهد السلطان سنجر. واستوطن وأهله مدينة نيسابور. يقول الشهرزودي في كتابه نزهة الأرواح : “كان عمر الخيام الآباء والوطن يأتي بعد ابن سينا في الحكمة، وقد تأمل كتاباً في أصفهان سبع مرات فحفظه، ثم عاد إلى نيسابور فأملاه، وكان يميل إلى التصنيف والتعليم، وله مختصر في الطبيعيات، ورسالة في الوجود، ورسالة في الكون والتكليف، وكان عالماً في : الفقه واللغة والتاريخ”.
وروي عن الخيام أنه كان يقرأ الإلهيات في كتاب الشفا ((لابن سينا)) ولما وصل إلى فصل (( الواحد والكثير)) قام وتوضأ وصلى العشاء وقال في سجوده : ” اللهم إني عرفتك على مبلغ إمكاني، فاغفر لي؛ فإني معرفتي إياك وسيلتي إليك” ثم مات. وفي الفقه روي عنه أنه دخل على الوزير ((عبد الرازق))، وفي مجلسه إمام القراء ((أبو الحسن الغزالي))، وكانا يتكلمان في اختلاف القراء على قراءة آية؛ فسأل الوزير الخيام، فذكر الأخير أقوال القراء في هذه الآية وشرحها وفضل قولاً منها؛ فقال ((أبو الحسن الغزالي)) : “أكثر الله في العلماء أمثالك، لم أكن أحسب أن أحداً يحفظ ذلك من القراء فكيف بالحكماء”.
وفي العلوم الرياضية جاء في كتاب ((آثار البلاد وأخبار العباد)) الذي ألفه ((زكريا قزويني)) سنة 674 هــ : “نيسابور ينسب إليها من الحكماء عمر الخيام، لاسيما الرياضيات، وكان في عهد السلطان ملك شاه السلجوقي. وقد سلم إليه مالاً كثيراً ليشتري، آلات الرصد، ويتخذ رصد الكواكب، فمات وما تم ذلك”.
ومن طرائف الخيام أن كان له فقيهاً يأتيه قبل طلوع الشمس؛ ليتعلم منه؛ وعندما يذهب إلى الناس يذم ويقدح فيه، فعلم الخيام بذلك، فأحضر الطبالين وأخبأهم في بيته؛ وعندما حضر الفقيه في موعده أمر الطبالين أن يدقوا على طبولهم، فاستيقظ الناس وذهبوا إلى بيت الخيام فقال لهم : يأهل نيسابور هذا عالمكم يجيئني كل يوم من هذا الوقت، ويأخذ مني العلم، ويذكرني عندكم بما تعلمون، فإن كنت كما يقول فلأي شئ يأخذ علمي؟.
رباعيات الخيام هي توليفة من الشك في القوة الخفية التي تسيطر على الكون، واليقين بأن لهذا الكون إله. وبين خاشع لرب العالمين، ومستهتر لا يترك كأس الخمر من يده. وبالرغم من أن وسائل الترف هُيأت للخيام، فضلاً عن دنوه من الحكام والسلاطين، إلا أنه كان تعيساً، وامتلأت حياته بالأسئلة في : ماهية الكون وخالقه، والقضاء والقدر، وكانت الإجابة على هذه الأسئلة تارة تأخذه إلى الكفر وتارة أخرى إلى الإيمان.
لقد ارتبط الشاعر أحمد رامي برباعيات الخيام، لدرجة جعلته يتعلم الفارسية، بالسوربون في باريس خصيصاً؛ لترجمة الرباعيات عن اللغة الأم، ذلك لأن الترجمات الموجودة لم تنقل خواطر الخيام وما يعترك داخل نفسه من أسئلة واضطرابات كما ينبغي أن تنقل. وتنقل من أجل ذلك بين عدة مدن منها برلين، ولندن، وباريس، وزار جامعاتها ومكتباتها للوقوف على المخطوطات التي تحفظ الرباعيات، وخرجت الطبعة الأولى بعد الترجمة في صيف 1924.
(1)
سمعت صوتاً هاتفاً في السحر
نادى من الحان : غفاة البشر
هبوا املأوا كاس الطلى قبل أن
تفعم كاس العمر كف القدر
(2)
أحس في نفسي دبيب الفناء
ولم أصب في العيش إلا الشقاء
يا حسرتا إن حان حيني ولم
يتح لفكري حل لغز القضاء
(3)
تروح أيامي ولا تغتدي
كما تهب الريح في الفدفدِ
وما طويت النفس همّا على
يومين : أمس المنقضي والغدِ
(4)
غد بظهر الغيب واليوم لي
وكم يخيب الظن في المقبل
ولست بالغافل حتى أرى
جمال دنياي ولا أجتلي
(5)
سأنتحي الموت حثيث الورود
وينمحي اسمي من سجل الوجود
هات اسقنيها يا منى خاطري
فغاية الأيام طول الهجود
(6)
إن تقتلع من أصلها سرحتي
وتصبح الأغصان قد جفت
فصغ وعاء الخمر من طينتي
واملأه تسر الروح في جثتي
(7)
لبست ثوب العيش لم أستشر
وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضو الثوب عن ولم
أدرك لماذا جئت؟. أين المقر
(8)
نمضي وتبقى العيشة الراضية
وتنمحي آثارنا الماضية
فقبل أن نحيا ومن بعدنا
وهذه الدنيا على ماهيه
(9)
طوت يد الأقدار سفر الشباب
وصوّحت تلك الغصون الرطاب
وقد شدى طير الصبى واختفى
متى أتى. يا لهفا. أين غاب
(10)
الدهر لا يعطي الذي نأمل
وفي سبيل اليأس ما نعمل
ونحن في الدنيا على همها
يسوقنا حادي الردى المعجل
(11)
أفق خفيف الظل هذا السحر
وهاتها صرفا وناغ الوتر
فما أطال النوم عمراً ولا
قصّر في الأعمار طول السهر
(12)
اشرب فمثواك التراب المهيل
بلا حبيب مؤنس أو خليل
وانشق عبير العيش في فجره
فليس يزهو الورد بعد الذبول
(13)
كم آلم الدهر فؤاداً طعين
وأسلم الروح ظعين حزين
وليس ممن فاتنا عائد
أسأله عن حالة الراحلين
(14)
يا دهر أكثرت البلى والخراب
وسمت كل الناس سوء العذاب
ويا ثرى كم فيك من جوهر
يبين لو ينبش هذا التراب
(15)
يا نفس ما هذا الأسى والكدر
قد وقع الإثم وضاع الحذر
هل ذاق حلو العفو إلا الذي
أذنب والله عفا واغتفر
أضف تعليق