الأطفال الخدج الذين تم إجلاؤهم من الحاضنة في مستشفى الشفاء في مدينة غزة يتلقون العلاج في مستشفى في رفح، جنوب قطاع غزة
الأطفال الخدج الذين تم إجلاؤهم من الحاضنة في مستشفى الشفاء في مدينة غزة يتلقون العلاج في مستشفى في رفح، جنوب قطاع غزة

"فيلم رعب"، هكذا وصفن أمهات في غزة، لصحيفة "نيويورك تايمز"، تجربتهن مع الولادة تحت وطأة القصف الإسرائيلي المستمر وما خلفه من دمار في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر.

وقالت وجيهة الأبيض البالغة من العمر 29 عاما للصحيفة: "تجربتي أثناء الولادة كانت كابوسا بكل معنى الكلمة، أو ما يشبه فيلم رعب".

وتحكي الأبيض أن انقباضات الولادة بدأت في المساء حيث كانت الشوارع فارغة ومظلمة، ولم يكن هناك صوت يُسمع سوى ضجيج الطائرات والقصف، وعندما وصلت سيارة الإسعاف بعد حوالي 40 دقيقة كانت تعاني بداخلها من الهزات الناتجة عن الطرق المدمرة.

رد فعل نساء على جثة طفل قُتل في قصف إسرائيلي على خان يونس في غزة

وقالت: "كان التوتر والقلق الذي شعرت به أكثر إيلاما من الانقباضات، خاصة أن زوجها كان عالقا في الإمارات ولم يكن بجانبها أحد سوى والدتها، واضطرت للفرار من منزلها في مدينة غزة مع العديد من أقاربها في 14 أكتوبر بعد أن أمر الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون شخص بمغادرة شمال غزة".

وتحدثت عن تجربتها داخل المستشفى وإنجابها لطفلها أحمد، قائلة إن جناح الولادة في المستشفى لم يعد يعمل وتحول لعلاج الأعداد الكبيرة من ضحايا الحرب.

وأضافت أنه خلال عملية الولادة، كانت تسمع الصراخ في كل مكان وكان الأطباء يعانون من ضغط شديد.

وقالت: "كل خمس دقائق، كان هناك قصف خارج المستشفى مباشرة، وكان قريبًا جدًا لدرجة أن الأمهات كن يخفين أطفالهن حديثي الولادة تحت ملابسهن، خوفًا من أن تتحطم النوافذ ويسقط الزجاج عليهم".

نساء غزة ينعين أبناءهن الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية، في المستشفى الإندونيسي، شمال قطاع غزة

وبعد ساعات تركت المستشفى لتبدأ معاناة أخرى مع رحلة العودة لوجهتها. وقالت إنهم "ساروا في الشوارع لأكثر من ثلاث ساعات قبل أن تتمكن أخيرًا من إيقاف السيارة". وأضافت: "كنت أصلي فقط من أجل أن نصل إلى وجهتنا".

وتعتبر قصة الأبيض واحدة من بين قصص آلاف النساء اللواتي يعانين بشدة تحت وطأة الحرب، إذ تتحمل النساء والأطفال والمواليد الجدد في غزة عبء الحرب بشكل قاسي، سواء كضحايا أو بسبب انخفاض فرص الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وفقا للصحيفة.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هناك نحو 50 ألف امرأة حامل في غزة، وأن أكثر من 160 طفلاً يولد كل يوم.

وحذرت الأمم المتحدة من الأوضاع غير الإنسانية التي تتعرض لها النساء، حيث يقوم الأطباء في المستشفيات، التي تعاني من ويلات الحرب، بتوليد النساء دون تخدير أو بتخدير بسيط، وأحيانا على ضوء الهواتف المحمولة.

وفي حوار لها نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، قالت المديرة الإقليمية للدول العربية في وكالة الصحة الجنسية والإنجابية، ليلى بكر، إنها تخشى على مصير الأمهات الجدد وأطفالهن وسط "فقدان الإنسانية الكاملة" في غزة.

وتتعمق معاناة الحوامل في غزة، وفق بكر، مع غياب ملاذ آمن من القصف والقدرة على الحصول على الغذاء والماء، شأنهن شأن بقية المدنيين في القطاع.

نساء فلسطينيات بعد غارة إسرائيلية على منازلهن في خان يونس وسط القصف الإسرائيلي المستمر على غزة

وتحدثت المسؤولة الأممية عن أن النساء الفلسطينيات الحوامل الهاربات من القصف يعانين من القلق الشديد، حيث يكافحن من أجل العثور على متخصصين صحيين مؤهلين يمكنهم دعمهن لولادة آمنة.

ودعت أي شخص في العالم إلى وضع نفسه مكان المرأة الحامل التي تنتظر ولادة طفل إلى هذا العالم أثناء فرارها من القصف المستمر، عندما لا يكون لديها ما يكفي من الماء للشرب، وعندما لا تستطيع حماية نفسها أو عائلتها أثناء انتقالها من مكان إلى آخر في رحلة البحث عن أخصائي صحي مؤهل.

وقالت وزارة الصحة في غزة إن ما لا يقل عن 13300 فلسطيني، بينهم 5600 طفل و3550 امرأة على الأقل، قتلوا بسبب القصف والضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة منذ ذلك الحين.

وقتل نحو 1200 إسرائيلي معظمهم مدنيون بينهم أطفال ونساء في هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وفقا للسلطات الإسرائيلية.

والاثنين، أُجليت مجموعة تضم 28 من الأطفال الخدج (ناقصي النمو) من أكبر مستشفى في قطاع غزة إلى مصر، الاثنين، لتلقي العلاج، في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات الصحية الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية مقتل 12 شخصا في مستشفى آخر في غزة تحاصره دبابات إسرائيلية.

وكان الأطفال حديثو الولادة في مستشفى الشفاء بشمال غزة، حيث لقي عدة أطفال آخرين حتفهم بعد أن توقفت حضاناتهم عن العمل في ظل انهيار الخدمات الطبية خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي على مدينة غزة.

وتقول الأمم المتحدة إن ثلثي سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة صاروا بلا مأوى.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي تولى منصبه في الأول من يناير 2017، للصحفيين "نشهد مقتل مدنيين بشكل لا مثيل له وغير مسبوق في أي صراع منذ أن توليت منصب الأمين العام".

العالم يترقب عملية إسرائيلية في رفح
مجلس الحرب الإسرائيلي وافق بالإجماع على عملية داخل رفح وفقا لـ"يديعوت أحرنوت"

رغم خلافات سابقة بين النخب الحاكمة في إسرائيل بشأن تبعات أي هجمات عسكرية على مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، على مصير الرهائن المختطفين، فقد حث الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين على إخلاء أجزاء من المدينة، وذلك فيما يحتمل أنه استعداد لضرب وحدات مسلحة من حماس التي استهدفت معبر كرم أبو سالم، وفق رويترز.

وفي هذا الصدد، يرى مراقبون وخبراء أن استهداف حماس لمعبر كرم أبو سالم، الأحد، يُعتبر "تطورا خطيرا" قد يتسبب في عرقلة وتجميد المفاوضات المعقدة، الهادفة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المختطفين في قطاع غزة.

وكان المتحدث العسكري الإسرائيلي، نداف شوشاني، قد ذكر في وقت سابق الإثنين، أنه "وفقا للخطط العملياتية التي وافقت عليها الحكومة، بدأنا عملية محدودة النطاق لإجلاء السكان مؤقتا في الجزء الشرقي من رفح".

وأضاف: "هذه ليست عملية إخلاء واسعة النطاق لرفح، إنها عملية محدودة النطاق في منطقة شرق رفح، كما ترون في الخرائط التي وضعناها".

https://twitter.com/AvichayAdraee/status/1787344298943365560

ونشر الجيش الإسرائيلي، الإثنين، بيانا طالب فيه سكان مناطق شرقي رفح بالمغادرة إلى منطقة المواصي، بالإضافة إلى خرائط الإخلاء.

وجاء في البيان: "نداء عاجل إلى كل السكان والنازحين المتواجدين في منطقة بلدية الشوكة وبالأحياء - السلام الجنينة، تبة زراع والبيوك في منطقة رفح بالبلوكات: 10-16, 28, 270".

وأضاف: "جيش الدفاع سيعمل بقوة شديدة ضد المنظمات الإرهابية في مناطق مكوثكم مثلما فعل حتى الآن. كل من يتواجد بالقرب من المنظمات الإرهابية يعرض حياته وحياة عائلته للخطر".

وحذرت الولايات المتحدة والكثير من دول العالم، إسرائيل من شن عملية عسكرية برية في رفح، وسط مخاوف من تأثيرات قد تكون كارثية على المدنيين الذين نزحوا إلى المدينة.

ويوجد في رفح أكثر من مليون فلسطيني، فروا من مناطق أخرى في القطاع، ويعيشون في خيام مكتظة قرب الحدود المصرية.

وحذرت مصر إسرائيل مرارا من شن مثل هذه العملية، خاصة أنها تقع على مقربة كبيرة من حدودها، مشددة على رفضها "تهجير" الفلسطينيين.

اتهامات لنتانياهو بعرقلة مفاوضات وقف إطلاق النار.. ومكتبه يرد
نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن مسؤول إسرائيلي، أن "إسرائيل وحماس كانتا أقرب إلى التوصل إلى اتفاق هدنة قبل يومين، لكن تصريحات رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، بشأن رفح أجبرت حماس على تشديد مطالبها"، وهو ما نفاه مكتب نتانياهو، الإثنين، في بيان رسمي.

"تعثر المفاوضات"

من جانب آخر، قال  مصدر مصري رفيع المستوى لقناة "القاهرة الإخبارية"، الإثنين، إن قصف مسلحي حركة حماس لمعبر كرم أبو سالم "تسبب في تعثر مفاوضات الهدنة".

وأكد المصدر نفسه أن "الوفد الأمني المصري يكثف اتصالاته لاحتواء التصعيد الحالي بين الطرفين (حماس وإسرائيل)".

لكن المحلل الإسرائيلي، إيدي كوهين، قال في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة"، إن بدء أي عمليات عسكرية في مدينة رفح "ليس مرتبطا" بالهجوم الأخير الذي نفذته "ميليشيات حماس الإرهابية"، على حد قوله.

وأضاف: "دعوني أؤكد لكم أن عملية رفح كان مقررا لها البدء بالأساس في حال فشلت مفاوضات إطلاق سراح الرهائن المختطفين في قطاع غزة، وهذا ما تبين لنا مع رفض حماس لأي مقترحات بشأن الهدنة".

وكان وفد حماس قد غادر القاهرة، الأحد، بعد محادثات حول هدنة محتملة في قطاع غزة وإطلاق سراح المختطفين الإسرائيليين، فيما تضاربت التقارير حول نتائج جولة المفاوضات، حيث وُصفت بأنها قريبة من "الانهيار" ومن "اتخاذ قرار".

ولم ترسل إسرائيل وفدا خلال المحادثات التي تتوسط فيها مصر وقطر والولايات المتحدة، فيما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الأحد: "نرى إشارات على أن حماس لا تريد أي اتفاق".

وكانت قناة "القاهرة الإخبارية" المصرية قد نقلت عن مصدر، الأحد، أن وفد حماس غادر القاهرة لإجراء محادثات في قطر، بعدما وضعت ردها على مقترح جديد للهدنة بين يدي الوسطاء، على أن يعود الوفد إلى مصر، الثلاثاء، لاستكمال المفاوضات.

"علامات استفهام"

من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية، جهاد الحرازين، في حديث إلى موقع "الحرة"، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، "استغل الهجوم على معبر كرم أبو سالم بشكل كبير للتهرب من عقد أي اتفاق هدنة، وبالتالي إعطاء المجال للعناصر المتطرفة في حكومته، لاسيما وزير المالية، بتسلئيل سموتريش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بإعلاء أصواتهم في وجه العناصر المعارضة داخل مجلس الحرب والحكومة، لاحتياج رفح".

واعتبر الأكاديمي الفلسطيني أن توقيت الهجوم على معبر كرم أبو سالم "كان خاطئا"، مضيفا: "نحن نعلم أهمية هذا المعبر باعتبار أن المساعدات الإنسانية من مواد غذائية وطبية وإمدادات ضرورية أخرى تمر عبره، وبالتالي فإن تلك الهجمات قد أعطت الذريعة لإغلاقه".

واعتبر الحرازين أن "توقيت الهجوم يطرح الكثير من علامات الاستفهام باعتبار أنه أعطى فرصة لنتانياهو للتنصل من الوصول إلى اتفاق بشأن الهدنة، وإظهار حماس أمام الرأي العام الداخلي وأمام الوسطاء بأنها هي من ترفض التوصل إلى أي اتفاق".

خلافات إسرائيلية داخلية

وفي الوقت الذي قوض فيه هجوم حماس المساعي الرامية للتوصل إلى هدنة في القطاع الفلسطيني الذي يعاني سكانه كارثة إنسانية، فإن الأنظار تتجه أيضا إلى الخلافات الداخلية في إسرائيل، التي أثرت كذلك على احتمالية التوصل لاتفاق رهائن.

ودعا وزير المالية الإسرائيلي، الإثنين، لدخول الجيش الإسرائيلي إلى مدينة رفح، موضحا في منشور على منصة "إكس"، أن "التأخير في دخول رفح وفقدان السيطرة على الأصول الاستراتيجية في القطاع يضر بدولة إسرائيل، ويضر بأهداف الحرب، ويضر بفرصة إعادة المختطفين إلى ديارهم، ويكلفنا الكثير من الدماء".

وأضاف سموتريتش: "يجب على الجيش الإسرائيلي أن يدخل رفح اليوم، وأن يهزم العدو".

وكانت  هيئة البث الإسرائيلية "مكان"، قد كشفت أن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أبدى تأييده خلال اجتماع مجلس الحرب، الأحد، للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حماس في قطاع غزة.

وقال غالانت خلال الاجتماع: "هذه صفقة جيدة.. هذه هي فرصتنا لإعادة المخطوفين إلى الوطن".

وأضاف الوزير، موجها حديثه إلى نتانياهو: "نحن مطالبون على المستوى الأخلاقي والقيمي أن نعيد المختطفين، خاصة أنا وأنت، (رئيس الوزراء ووزير الدفاع) منذ 7 أكتوبر. أنا لا أتحدث على الملأ حتى لا أرفع الثمن، لكن يجب الموافقة على هذه الصفقة".

وفي العلن، قال وزير الدفاع الإسرائيلي في تصريحات نقلتها رويترز، الأحد، إن "حماس غير جادة على ما يبدو فيما يتعلق بالتوصل إلى هدنة".

أما نتانياهو، فقد أعرب مرارا عن تمسكه بشن عملية عسكرية على رفح، قائلا، الأسبوع الماضي، إنها ستتم "مع أو بدون صفقة رهائن"، مما عقد مسار المفاوضات، وفق ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن مسؤول إسرائيلي.

وقال المسؤول إن "إسرائيل وحماس كانتا أقرب إلى التوصل إلى اتفاق هدنة قبل يومين، لكن تصريحات نتانياهو بشأن رفح، أجبرت حماس على تشديد مطالبها"، وهو ما نفاه مكتب نتانياهو، الإثنين، في بيان رسمي.

وأصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الإثنين، بيانا جاء فيه أن "الادعاءات بأن نتانياهو، وليست حماس، هو من أفسد صفقة إطلاق سراح الرهائن، كذب كامل وخداع متعمد للجمهور"، وفق ما أفاد مراسل "الحرة".

وقال البيان إن "الحقيقة عكس ذلك"، متهما حماس بأنها "تحبط كل صفقة من خلال عدم الابتعاد قيد أنملة عن مطالبها المتطرفة التي لا يمكن لأي حكومة في إسرائيل أن تقبلها".

وتعكس التوجهات المختلفة بين النخب السياسية في إسرائيل بشأن مسار الحرب، والكفة التي لا بد من ترجيحها في ميزان الأحداث، بين التوصل لصفقة تعيد الرهائن إلى إسرائيل، وشن عملية عسكرية في رفح لا بد أن تكون لها تداعيات كبيرة، تتبدد الآمال بشكل أكبر بشأن التوصل إلى اتفاق هدنة بين حماس وإسرائيل، يمهد لإنهاء الحرب في نهاية المطاف.