إعجاز عمراني وطقوس وآثار غير مكتشفة

«المايا» تاريخ يكتنفه الغمــوض

صورة

تعتبر المكسيك من المقاصد السياحية العالمية التي يتوجه إليها ملايين الزوار سنوياً، حيث تزخر بكنوز من الآثار التاريخية والشواطئ الرملية الرائعة، فعلى سبيل المثال تضم منطقة الغابات المطيرة في شبه جزيرة يوكاتان العديد من الشواهد الفريدة لحضارة شعب المايا، التي لايزال يكتنفها الغموض والأسرار حتى اليوم.

ويعتبر هرم المعبد المعروف باسم كوكولكان من أشهر الآثار التي خلفها شعب المايا، ويوجد على كل جانب من جوانب الهرم 91 درجة تقود الزائر إلى أعلى، لكي يصل إلى قمة الهرم. ومن الألغاز العجيبة بهذا الهرم أن مجموع عدد الدرجات على جوانبه الأربعة بالإضافة إلى قاعدة الهرم يبلغ ،365 وهو العدد الذي يتطابق مع أيام السنة بشكل مذهل.

إعجاز معماري

عند تساوي الليل بالنهار، وهي الظاهرة المعروفة باسم الاعتدال الربيعي والخريفي خلال الفترة بين شهري مارس وسبتمبر، تحدث بعض الظواهر الخاصة، فمثلاً عند غروب الشمس يتحرك ظل منصات الهرم مثل الثعبان أسفل الدرجات، ويلتقي مع رؤوس الثعابين الحجرية عند قاعدة الهرم. ويدل هذا الهرم على قمة الإعجاز المعماري وروعة الإبداع الرياضي التي وصل إليها شعب المايا. وتعتبر مدينة تشيتشن إيتزا المكسيكية أشهر موقع للتعرف الى حضارة المايا، وأكثر المقاصد التي تشهد إقبالاً من السياح الراغبين في الاطلاع على أسرار هذا الشعب، ولكن ملعب الكرة بهذه المدينة العتيقة يكشف عن وجه آخر لحضارة شعب المايا، حيث يظهر بأحد النقوش لاعب مقطوع الرأس وتنفجر الدماء من رقبته على شكل ثعابين.

حضارة الألغاز

لم يتمكن علماء الآثار أو الخبراء المحليين من تقديم إجابة واضحة لتفسير هذا المنظر، سواء كان يتم التضحية بالفائز أو الخاسر في المباراة. ولايزال شعب المايا لغزاً عصياً على الفهم حتى اليوم؛ لأن كل ما تركه لا يعدو كونه بعض الشواهد الصامتة. وقد اندثرت حضارة المايا نتيجة لقيام الغزاة الأسبان بإحراق كل مخطوطات هذا الشعب تقريباً. وقد انتشرت خلال هذا العام بعض الشائعات حول شعب المايا، حيث ينتهي في يوم 21 ديسمبر المقبل تقويم المايا، الذي كان حتى وقت قريب هو التقويم الوحيد المعروف عن شعب المايا. ويروج بعض الدجالين لفكرة نهاية العالم في هذا اليوم.

لكن الباحثين يعتقدون أن هذا التاريخ سيشهد نهاية حقبة مهمة لشعب المايا، ثم تبدأ بعد ذلك دورة جديدة من التقويم. وقد اكتشف العلماء، أخيراً، في منطقة إكسولتون الواقعة شمال شرق غواتيمالا تقويماً آخر لشعب المايا يمتد إلى ما بعد عام .2012

وبالقرب من مدينة أوكسمال يدير أنطونيو مع أخيه أحد المطاعم الشهيرة، ويعبر كلا الرجلين بصدق عن طبيعة شعب المايا، حيث يتم تقديم الأطباق التقليدية التي تعتمد على الوصفات الأصلية لشعب المايا. ويتم طهي الطعام في فرن عبارة عن حفرة في الأرض بها فحم متوهج وبعض الأحجار، وتتم تغطية هذه الحفرة من أعلى بواسطة لوح معدني، بحيث تستغرق عملية تسوية لحم الدجاج نحو أربع ساعات، حتى يكتسب الطعم اللذيذ للتوابل المحلية.

وعندما استفسر السياح من أنطونيو عن نهاية العالم، وفقاً لما يوضحه تقويم شعب المايا، أجاب ضاحكاً بأن هذا الأمر مجرد هراء، فالأمر كله عبارة عن نهاية حقبة تاريخية لتبدأ بعدها مرحلة أخرى في عمر هذا الشعب، وتستمر الحياة. وتشع مدينة أوكسمال سحراً خاصاً يجعل السياح يتوافدون عليها من كل حدب وصوب. كما أن ساحة الراهبات تأسر ألباب الزوار بفضل ما تزخر به من نقوش رائعة وواجهات فريدة من نوعها. فإذا جلس السائح فوق المنصة العليا لقصر الحاكم وأرسل ناظريه عبر الموقع الأثري، فلن يرى سوى قمة الهرم التي تعلو بمقدار 35 متراً وسط هذه السجادة الخضراء الكثيفة بالغابة المطيرة. وتتجلى قمة الإبداع البشري الغابر في مدينة بالينكي، الواقعة بولاية تشياباس المكسيكية، والتي تبعد نحو 400 كيلومتر عن مدينة تشيتشن إيتزا. وتعتبر هذه المنطقة من أكبر مواقع الأثرية لشعب المايا، لكن لم يتم الكشف سوى عن 5٪ فقط من المباني التاريخية، في حين ترقد الآثار الباقية تحت أشجار الغابة المطيرة. وفي معبد النقوش اكتشف علماء الآثار نحو 617 نقشاً من الكتابات القديمة، والتي ساعدت كثيراً في فك طلاسم الكتابة عند شعب المايا.

قرد المولول

يصل السياح إلى المدينة الغارقة «ياكسشيلان» الواقعة على الحدود بين المكسيك وغواتيمالا، بعد مسيرة ثلاث ساعات على طرق وعرة ورحلة بالقارب لمدة ساعة. وكما هو الحال في مدينة بالينكي فقد انتهى وجود شعب المايا في المنطقة بالفعل خلال القرن التاسع عشر. أما اليوم فقد اغتصب قرد المولول العاصمة السابقة لشعب المايا، وترحب هذه القرود بالزوار الذين لا يخشون وعورة ومتاعب الطريق من خلال إطلاق صرخات مرعبة. ويخوض علماء الآثار وعشاق الغابات المطيرة صراعاً مفتوحاً مع الطبيعة عند الكشف على المواقع الأثرية، حيث تنمو في كل مكان نباتات السرخس والشجيرات والأشجار الضخمة. وتزخر هذه المنطقة بمناظر رائعة تظل عالقة بالذاكرة. وعندما تشرق الشمس في مدينة «كالاكمول» يتضح للسياح المعنى الحقيقي للغابة المطيرة، لكن بمجرد أن تختفي الشمس خلف الغيوم الكثيفة يهبط البعوض مثل مصاصي الدماء على الزوار، الذين لم يستعدوا لمثل هذه الزيارة بشكل كافٍ. وتعتبر مدينة كالاكمول حالياً أكبر مدن المايا في المكسيك، حيث تحوي ما يقرب من 5000 مبنى ويقطنها نحو 60 ألف نسمة.

وتنتهي رحلة اكتشاف حضارة المايا في مدينة «تولوم» الساحلية التي تعتبر واحدة من آخر المعاقل الكبيرة لشعب المايا، حيث تظهر ريفيرا المايا وما تزخر به من منتجعات سياحية، ويطغى على الصورة السياح من جميع أنحاء العالم وأصحاب البازارات والمتاجر السياحية.

تويتر