ولادة على فراش الموت.. قتل الأرحام وإبادة الحرث والنسل فى غزة..فلسطين تعود للعصور الوسطى و«الداية» تتصدر المشهد.. المقص للولادة والبن والملح للجروح..حمى النفاس تبيد النساء والنزيف والحرارة والعدوى تقتل المواليد

الخميس، 11 يناير 2024 02:00 م
ولادة على فراش الموت.. قتل الأرحام وإبادة الحرث والنسل فى غزة..فلسطين تعود للعصور الوسطى و«الداية» تتصدر المشهد.. المقص للولادة والبن والملح للجروح..حمى النفاس تبيد النساء والنزيف والحرارة والعدوى تقتل المواليد معاناة سيدات غزة
تحقيق : أحمد جمعة - مروة محمود الياس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- الناجيات يصبن بالعقم والسرطان

- أطباء فلسطينيون: الولادة تتم بدون بنج.. وصدمة الألم تؤدى للوفاة

- قصة ولادة الطفل «آدم» تحت وابل من القصف.. وحكاية «أم جميل» و«ملقط الغسيل»

- ولادة على التليفون.. صحفى يضطر لتوليد سيدة بتوجيهات طبيب على الهاتف

- الرعب والخوف يوقف الدورة الشهرية ويجهض الحامل ويقتل الأجنة ويقطع لبن المرضع

- آنسات غزة مهددات باضطراب الهرمونات وتوقف الدورة الشهرية والعقم وسرطان الرحم

- الولادة من رحم أم متوفاة.. طفل يفقد أمه قبل رؤيتها.. المواطنة الفلسطينية سارة أحمد: لا أريد خلفة بعد استشهاد ابنى.. وطبيب فلسطينى: حضانة واحدة مقابل 6 أطفال على الأقل

- المدير الإقليمى للصحة العالمية لـ«اليوم السابع»: 183 حالة ولادة يوميا منها 20 بحاجة لرعاية متخصصة

 

«الو دكتور الحقنا.. امرأة بتولد ومش عارف كيف اتصرف.. الدبابات والجنود الإسرائيليين فى كل مكان ولو فتحت الباب هيطخونا.. ساعدنى دكتور شو أعمل أرجوك؟». 

بكلمات مرتعشة، وجسد يتصبب عرقا وضربات قلب أعلى من صوت رنين الهاتف، يقف الصحفى الفلسطينى عيسى جنيد، ممسكا بهاتفه يتحدث إلى الطبيب سليمان أبوعيدة، عاجزا أمام صرخات امرأة على وشك الولادة نازحة فى بيته، وسط آلامها وصرخاتها المتعالية المعلنة بدء مخاض طفلها الذى لم ير النور بعد، معلنا رغبته فى القدوم للدنيا فى توقيت عصيب، وسط حصار قوات الاحتلال الإسرائيلى لمخيم جباليا بغزة، ومن يتجرأ على فتح باب المنزل «يطخوه» حسب تعبير «جنيد».

فى مشهد استثنائى، لا يمكن لكاتب سيناريو أن يصف تفاصيله المأساوية كما حدثت فى الواقع الأليم، داخل المنزل المحاصر الذى تفوح منه رائحة البارود وتنتشر حوله أشلاء الشهداء، حيث استقبل الصحفى عيسى جنيد أكثر من 140 من النازحين، تصرخ سيدة فلسطينية صرخة دوى صداها فى أرجاء المكان، العجز والخوف والحيرة تسيطر على الجميع، ليستجيب الصحفى الذى يعمل فى إحدى الإذاعات المحلية ولا يملك أبسط المعلومات عن تطهير الجروح، ليصبح مطالبا بتوليد امرأة نازحة غريبة عنه.

الحال نفسه تكرر فى حى الرمال شمال غزة مع الصحفى والمصور الفلسطينى يوسف بعلوشة، المحاصر هو وشقيقه لمدة 3 أيام من الجيش الإسرائيلى، ونجحت «أم جميل»، زوجة الزميل يوسف، وهى أم لثمانية أطفال، فى توليد زوجة شقيقه بدون أى إمكانيات سوى مياه ساخنة، حتى إن السيدة لجأت لاستخدام «مشبك غسيل» كى تمسك الحبر السرى للطفل آدم، الذى قرر الخروج للعالم فى ليلة حالكة السواد، ووسط اشتباكات عنيفة بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلى شمال غزة.

كانت مستشفيات قطاع غزة وتحديدا الشمال والمنطقة الوسطى قد تعرضت للاستهداف، مما أخرجها عن الخدمة، وهو ما دفع عددا كبيرا من الأسر الفلسطينية لتوليد النساء الحوامل فى المنازل، سواء على يد «الداية» أو أى من السيدات اللاتى لديهن خبرة فى الولادة أو حصلن على تدريب، والمعروفات بـ«القابلات القانونيات»، وإن حكمت الظروف يضطر أى رجل أو امرأة فلسطينية إلى توليد سيدة حان وقت ولادتها، دون أى خبرة وبأدوات بدائية وفى ظروف غير صحية.

أدوات الداية لتسخين مياه الولادة
أدوات الداية لتسخين مياه الولادة

 

ولادة على التليفون تحول صحفيا لطبيب و«داية»

فى عالمنا، تتجهز الحامل ليوم ولادتها، كما تتجهز العروس لعرسها، ففى الظروف الطبيعية، تبدأ بتحضير ملابس المولود، وتضع خطة الولادة مع طبيبها، وتجهز نفسها ليوم استثنائى، تستقبل فيه طفلها المنتظر، أما فى غزة فالأمر دوما مختلف، واليوم يكون مختلفا أيضا لكن فى ظروف عصيبة وقاتلة ومأساوية.

قبيل آذان الفجر فى شقة صغيرة تعج بعشرات النازحين فى مخيم جباليا شمال غزة، استيقظ النازحون فزعين على صراخ سيدة فلسطينية، للوهلة الأولى ظنوا أن جيش الاحتلال يعتقل السيدة لكن مع استيقاظهم واستفاقتهم من النوم، اكتشفوا أن السيدة الحامل تتألم بسبب آلام المخاض، صدمة طويلة سيطرت على الجميع لعدم وجود طبيب يمكن أن يساعد فى معالجة هذا الموقف، يتصدر الصحفى الفلسطينى صاحب المنزل ومستضيف النازحين المشهد لينقذ السيدة التى تتألم وتصرخ، وفى الخلفية صوت غارات الجيش الإسرائيلى الذى يشن حزاما ناريا طوال الليل.

بين حيرة أهل البيت أمام صرخات المرأة، وبين مخاضها الذى بدأ لتوه، مكبلين لا يمكنهم تجاوز باب المنزل الذى تحاصره قوات الاحتلال، فهم عاجزون عن إسعاف هذه السيدة وجنينها، لتراود صاحب البيت فكرة سريعة، ويقوم بإجراء أكثر من اتصال محاولا الوصول لأى طبيب فى الضفة الغربية ليساعده فى هذا الوضع الحرج، فيرد الطبيب سريعا، وهنا قرر الصحفى مضطرا أن يقوم بعملية توليد السيدة بيديه، التى ترتعشان من صدمة الموقف، بعد أن ينصت جيدا لكلام الطبيب، هذا المشهد الدرامى المكتوب بعناية يجسد بشكل مبسط معاناة النازحين الفلسطينيين فى قطاع غزة.

 

الصحفى الذى قام بتوليد السيدة: دعوت الله فهدانى إلى السبيل

وعن هذا المشهد الدرامى المأساوى القاسى، يتحدث الزميل عيسى جنيد نفسه قائلا: حاولنا التواصل مع الصليب الأحمر والكثير من الجهات، وأقرب «داية» لنا على بعد 100 متر ولكن من يفتح الباب «يطخوه»، حينها دعوت الله وقلت «ربى انقطع الاتصال إلا بك»، فقمت بالاتصال بزميلة صحفية فى الضفة الغربية أوصلتنا بالدكتور سليمان، الذى شرح لنا خطوات التوليد، وقمت أنا بمساعدة زوجتى بهذه المهمة التى تمت بفضل الله وحده.

لم يكن هذا المشهد هو الوحيد والفريد من نوعه، فهو مجرد حكاية من بين حكايات لا حصر لها، لسيدات فلسطينيات باغتهن المخاض وهن محاصرات فى غزة، لا يقوين على فعل شىء، فلكل واحدة قصة وحكاية، تؤكد على الوضع المأساوى، الذى ينقل الوضع الخطير للمرأة الحامل فى غزة، وكذا وضع أطفالها.

الزميل الصحفي الفلسطيني عيسى جنيد
الزميل الصحفي الفلسطيني عيسى جنيد
 

سليمان أبوعيدة.. طبيب فلسطينى ينجح فى إنجاز الولادة عبر الهاتف
 

سليمان أبوعيدة طبيب نساء وتوليد من مدينة نابلس فى الضفة الغربية، يبلغ من العمر 62 عاما، يؤدى رسالته حتى ساعتنا هذه على أكمل وجه، كثيرا ما ساعد سيدات فلسطينيات على احتضان أطفالهن بسلامة وأمان، على مدار مسيرته الطبية كان يساعد الحوامل، ولا يغلق هاتفه أبدا، ويقوم بالرد فى الحال على أى نداء يأتيه، ولعل هذا هو السبب الذى جعله يجيب على هاتفه فى تمام الساعة الثانية فجرا بصوت هادئ وخافت، ليكون الاتصال من الصحفى الذى قام بتوليد السيدة، وينقذ به حياة المرأة وطفلها، عبر الهاتف.

تحدث «اليوم السابع» عبر الهاتف مع الدكتور سليمان، الذى أكد أن هذا الاتصال الفريد لن ينساه أبدا، فقد رن هاتفه فى الساعة الثانية وثلاثين دقيقة، يوم 18 ديسمبر الماضى، ليطلب الصحفى عيسى المساعدة منه لإمكانية إنقاذ المرأة الحامل، لحصار منزلهم.

نصف الساعة كاملة- وفقا لدكتور سليمان- وفر خلالها الدكتور سليمان ووجه الصحفى بالمعلومات والخطوات المبسطة المتاحة للتوليد، وإنقاذ حياة أم وجنينها،

فى البداية حاول الدكتور سليمان إمداد الصحفى بالمعلومات عبر الهاتف، بقطع الحبل السرى بمقص منزلى بسيط، بعد ربطة بخيط عادى، بعد إخراج الطفل تدريجيا من رحم الأم، والتخلص من المشيمة، لينجح الصحفى بالفعل فى توليد المرأة، وكان مولودها الذكر فى تمام الصحة والعافية، وفقا لـ«سليمان».

 أوضح الطبيب الفلسطينى الذى تواصلنا معه، وهو يواصل عمله لساعات طويلة فى أحد المستشفيات بمدينة نابلس، تلك الواقعة سالفة الذكر، التى كانت وما زالت محفورة فى ذاكرته، إلا أنه قد مر بتجربتين سابقتين فى الماضى منذ سنوات، ساعد من خلالهما وعبر الهاتف أيضا «الداية» أو «القابلة» على توليد سيدتين لم يستطع الوصول إليهما لسوء الأحوال الجوية والحواجز الإسرائيلية المنتشرة بين المدن الفلسطينية فى الضفة الغربية، حيث يسيطر جيش الاحتلال على الشوارع الرئيسية بمدن الضفة، فيما تسيطر قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية على الشوارع الفرعية فقط.

الدكتور سليمان أبو عيدة
الدكتور سليمان أبو عيدة

 

سيدات غزة.. خارج حدود الحياة

«وضع غير قابل للحياة».. بهذه العبارات وصف الدكتور سليمان الوضع الصحى للحوامل والأطفال بشكل خاص فى غزة، مؤكدا على أن هذا الوضع المأساوى القاتل تسبب فى عودة القابلات أو «الداية» التى تعمل على توليد السيدات فى المنزل، وهو أمر غير آمن، لارتفاع فرص الإصابة بمضاعفات بعد وأثناء الولادة، إلا أنه عاد وأكد على أن الكثير من القابلات القانونيات، تكون مدربات على يد طبيب محترف للنساء والولادة، مضيفا: كنت فى يوم من الأيام أقوم بتدريب القابلات القانونيات خلال الأعوام الماضية،

ووصف الدكتور سليمان أطباء غزة بأنهم رمز للصمود، مناشدا بضرورة إنقاذ المعنيين للمرأة والحوامل والأطفال، فى ظل الوضع المأساوى الذى تعيشه غزة.

ما يحدث فى غزة والضفة الغربية، حول ولادة السيدات فى ظروف الحصار والحرب، ليست بفكرة مستحدثة على المجتمع الفلسطينى، بل لجأ إليها عدد من الأطباء و«الدايات» خلال الانتفاضة الفلسطينية التى اندلعت فى الأراضى الفلسطينية عام 1987.

 «تلده ميتا وتدفنه بيديها تحت تراب منزلها».. بهذه الكلمات القاسية أكد الدكتور محمد شاهين، الطبيب المقيم بمجمع الشفاء الطبى، والملحق بمستشفى برفح جنوب غزة حاليا، نتيجة استهداف إسرائيل لمجمع الشفاء، على أن أوضاع الحمل والولادة فى قطاع غزة كارثية، مع تسجيل عدة حالات بالإجهاض وتخطت نسبتها رقما كبيرا لا يمكن تصديقه، المشكلة الأكبر هو عجز الأطقم الطبية عن تقديم إحصاءات رسمية دقيقة بها لشدة التركيز على الإصابات والوفيات كأولوية للحصر.

الدكتور محمد شاهين
الدكتور محمد شاهين

 

المقص والسكين ومشبك الغسيل.. أدوات الداية فى مهمتها

أما عن عودة «الداية» من جديد، فأكده الدكتور شاهين واصفا إياها بـ«سيدة الموقف» الآن وبقوة داخل القطاع، فهى نتاج وضع مأساوى ترتب عليه ضرورة التأقلم ومحاولة التعامل مع الوضع الكارثى، كون أغلب السيدات لا يمكنهن الولادة إلا بالمنازل المدمرة جزئيا أو داخل خيم الإيواء، التى يوجد بها 1.9 مليون فلسطين فى جنوب غزة، ومع انهيار المستشفيات توجهت الأنظار إلى «الداية» التى تمثل الملاذ الآمن لغالبية الأسر الفلسطينية.

ولفت الطبيب الفلسطينى فى حديثه لـ«اليوم السابع» إلى أن «الداية» أدواتها بدائية للغاية، فهى تستخدم المقص المنزلى أو السكين العادى المنزلى لقص الحبل السرى، وما يدعو للحزن أنهم يستخدمون فى بعض الأحيان مشبك الغسيل، للف الحبل السرى ومنع خروج الدماء منه، ويشعلون الحطب لتسخين المياه فى قدر من قدور البيت.

قد ينتاب السيدة التى تضع طفلها تمزقات وجروح ونزيف، وأكد الدكتور شاهين أن «الداية» تتعامل فى تلك الحالة بأقل الإمكانيات المتاحة، مشيرا إلى أن غزة عادت للوراء بسبب نقص الإمكانيات الطبية، حيث تلجأ السيدات لاستخدام البن أو القهوة واليود لـ«كبس» الجرح، ولتحمية «الطلق» والمساعدة على تخطى صعوبات الولادة، عادت «الداية» لاستخدام القرفة والتمر وجلوس الحامل فى المياه الدافئة لتسريع عملية الولادة.

المأساة لا تقف عند هذا الحد، فحدثنا «شاهين» عن نسب المواليد الذين ماتوا فور الولادة- وهم كثر- ولا يمكن حصرهم، نظرا للظروف القاسية الحالية، فميلاد أطفال أو أجنة ميتة أمر وارد جدا، وإكمالا للمأساة، يقوم الأهل بدفنه هو والمشيمة داخل المنزل تحت التراب، لتطأ قدم أمه المكلومة عليه ذهابا وإيابا، وقلبها ممزق.

الولادة المبكرة التى تباغت السيدة فى غزة قبل أن تكمل شهر حملها التاسع، أصبح واقعا ملموسا ومتكررا فى غزة بشكل يومى- حسب الدكتور شاهين- لأن الخوف والرعب من القصف، وهول المواقف اليومية، جعل الحوامل عرضة وبشدة للولادة المبكرة، وخطرها الأكبر يكمن فى ضرورة إنقاذ الجنين الذى لم يكتمل نموه بعد، ويحتاج دون شك لحضانة، مما جعل الأطباء يلجأون إلى نظام المفاضلة، واختيار المولود الأكثر تضررا واحتياجا لدخول الحضانة، ليواجه الباقون مصيرا مجهولا إما بالوفاة المحتملة، أو الصمود والتمسك بالحياة رغم الظروف.

 

قصة ولادة آدم.. وملقط الغسيل

حادثة أخرى فى شمال قطاع غزة وقعت فى نهاية 2023، وتحديدا يوم 14 ديسمبر الماضى على تمام التاسعة مساء، حيث تسمع أصوات الأسلحة الثقيلة فى الاشتباكات المستمرة بين الجيش الإسرائيلى والفصائل الفلسطينية فى غزة، صرخت زوجة شقيق المصور يوسف بعلوشة- الذى يرفض مغادرة شمال غزة حتى الآن- ووقف زوجها عاجزا فى مشهد صادم، حيث اختار نجله آدم الخروج إلى العالم فى توقيت ترتقى فيه آلاف الأرواح إلى ربها مع احتدام المواجهات المسلحة، وذلك مع انقطاع الاتصالات والإنترنت فى هذا اليوم بشكل كامل.

مع استمرار صراخ زوجة شقيق الزميل يوسف، تحركت زوجة أخيه، أم جميل، التى أنجبت 8 أطفال واستجمعت خبراتها الحياتية والطبية فى توليد السيدة، خرج آدم للحياة من بطن أمه وتمت الولادة بسلام وأمان، مع عدم توافر أى إمكانيات داخل المنزل، التقطت أم جميل، زوجة الصحفى يوسف بعلوشة، «ملقط غسيل» لربط الحبل السرى للطفل.

الطفل آدم
الطفل آدم

أكد الصحفى يوسف بعلوشة فى اتصال مع «اليوم السابع» أن ولادة آدم تمت فى ظل حصار دام للمنطقة التى يوجد بها فى حى الرمال لمدة ثلاثة أيام، مضيفا: «لو فتحنا الباب أو نزلنا كانوا هيطخونا.. ثلاثة استشهدوا برصاص الجيش الإسرائيلى أمام منزلنا».

 

الزميل يوسف بعلوشة وشقيقه
الزميل يوسف بعلوشة وشقيقه

 

وأوضح: إن صحة الطفل آدم جيدة، ولم تتعرض والدته لأى مضاعفات عقب الولادة الصعبة التى هزتنا جميعا فى موقف عنوانه «الانهيار الكامل لأعصابنا»، مشيرا إلى أن شقيقه لم يتمكن من تسجيل نجله بسبب عدم وجود مستشفيات فى الشمال التى خرجت عن الخدمة تماما، وكذلك المؤسسات المدنية.

 

الطفل آدم بعد ولادته في شمال غزة
الطفل آدم بعد ولادته في شمال غزة

 

الولادة على جوانب الطرقات.. عنوان رئيسى فى غزة

فى السياق المأساوى ذاته، حدثنا محمد التوام، طبيب فى وزارة الصحة الفلسطينية، عن وضع السيدات الفلسطينيات الحوامل، مؤكدا على أن هناك ما يقرب من 50 ألف مرأة حامل فى غزة، وتجرى أكثر من 180 حالة ولادة يوميا، مشيرا إلى تعرض نصف النساء اللاتى تلدن فى هذه الفترة إلى مضاعفات صحية متصلة بالحمل أو الولادة، وهن بحاجة إلى رعاية طبية إضافية.

تطرق الدكتور التوام فى حديثه لـ«اليوم السابع» إلى استهداف المستشفيات فى شمال ووسط غزة، ما أدى لتكدس سكانى كبير فى جنوب القطاع، وهو ما يدفع النسوة للولادة خارج أسوار المستشفى، لافتا إلى أن الكثير من السيدات الحوامل وضعن أطفالهن فعليا بالخيام من قبل «دايات» أو «قابلات» لديهن فكرة بالولادة، واصفا الأمر بالخطير الذى حدث بسبب الحرب التى أعادت غزة فعليا للعصور القديمة، حيث لا يصدق بالقرن الـ21 أن تتم الولادة خارج المستشفيات بسبب تدميرها.

وأكد أن هذا الأمر الخطير يزيد عدد الوفيات بين الأمهات وكذلك الرضع بسبب عدم تطهير المياه، وعدم وجود الوعى الصحى، ونقص الأدوية الفعالة ومخاطر تفشى الأمراض، وعدم وجود تدخل جراحى إن لزم الأمر، فمثلا لو كان هناك نزيف ما بعد الولادة، وهو أمر يكون شائعا، ستفقد الأم جنينها ولو كان هناك تعسر فى الولادة لأى سبب كان، كوضعية الجنين أو نقص السائل الأمينوسى أو أى مشكلة صحية تستدعى الولادة القيصرية العاجلة، فإن ذلك سيعرض الأم والرضيع معا إلى الوفاة.

الدكتور محمود التوام
الدكتور محمود التوام

 

حضانة واحدة مقابل 6 أطفال على الأقل

المشهد الكارثى فى غزة هو عدم توافر الإمكانيات الطبية اللازمة، ولعل أبرزها الحضانة التى يحتاجها عدد كبير من أطفال القطاع، الذين يولدون فى ظروف صعبة، هذا ما أكده الدكتور التوام.

أكد الطبيب الفلسطينى أنه ليس بوسع السيدات الفلسطينيات الوصول إلى خدمات رعاية التوليد فى الحالات الطارئة، التى يحتاجونها للولادة بأمان ولرعاية مواليدهن الجدد، ونظرا لإغلاق 14 مستشفى و45 عيادة للرعاية الصحية الأساسية، تضطر بعض السيدات للولادة فى الملاجئ أو فى منازلهن المتضررة جزئيا أو فى الشوارع بين الأنقاض أو فى مرافق رعاية صحية تعانى ضغطا شديدا.

كشف الطبيب الفلسطينى عن وفاة عدد كبير من الأطفال، الذين خرجوا للعالم وهم أموات أو ماتوا بعد الولادة مباشرة لنقص الحضانات، وللضغوطات التى تتعرض لها الحوامل بسبب الخوف والفزع نتيجة القصف الجوى المتواصل، مشيرا إلى معاناة عدد كبير من السيدات الفلسطينيات الحوامل من نقص أدوية التخثر، ما يعرضهن إلى الإجهاض، مؤكدا رصد العديد من الحوامل بحالة ولادة مبكرة ونقص حاد فى الحضانات، حيث يتم وضع خمسة أو ستة أطفال فى سرير واحد لنقص أسرة الحضانات.

 

 «محفوظة» شيخة الحارة.. داية تضع الملح لسرة المولود والميكركروم للجروح
 

الست محفوظة أبوطه، شيخة الحارة، كما يصفها أحباؤها، من مواليد 1943، فى جعبتها تقع كل أسرار الدايات، حتى إنها عملت كـ«داية» خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، لتساعد السيدات الحوامل فى وضع أطفالهن داخل المنازل بسبب الحصار الإسرائيلى، الذى تعرض له عدد كبير من المدن الفلسطينية وتضرر المستشفيات، المرأة المخضرمة ذات الـ80 عاما، كانت شاهدة على انتفاضة 1987 ونكبة 1948، تحكى لـ«اليوم السابع» ما تفعله الدايات فى ظل الظروف الصعبة، والحصار، وانقطاع الموارد وأبسط الأدوات، موضحة أن الداية تستخدم أقل الأدوات وفقا للمتاح، ومنذ الأزل وهى تلجأ للمقص الشفرة لقص الحبل السرى، وشق الجروح، والتخلص من «الخلاص»، حسب تعبيرها «مشيمة المولود».

وتابعت الحاجة محفوظة، «القابلة أو الداية»: نضع الملح على سرة الطفل لكيها بعد قطع الحبل السرى لوقف النزيف وتنشيفها، والآن إذا توفر المكركروم أو اليود يمكن وضعه أيضا للجروح الشديدة لكيها، وإيقاف نزيفها.


الست محفوظة
الست محفوظة

فلسطينية: «لا يمكننا الحياة ولا حتى الموت بسلام.. ونعيش وسط القطط» 
 

وبين هذا وذاك، تسكن «ن.أ» فلسطينية تبلغ من العمر 37 عاما، رفضت الإفصاح عن هويته خوفا من الإيذاء، السيدة التى تسكن مدرسة إيواء بعد نزوحها من بيتها، تحدثنا بينما تنام القطط معها على سريرها المهترئ فى مركز الإيواء، مؤكدة أن النساء يعانين من وضع كارثى بعدم توافر أمان مناسبة للنوم، حيث يعيشن مع الحيوانات، مضيفة: تعرضت لإصابة أنا وطفلى بعدوى جلدية، النزيف والالتهابات والآلام لا تفارقنى، أعانى من عدم توقف الدورة الشهرية بسبب الاضطرابات النفسية التى نعانيها، لا توجد فوط صحية، ولا توجد أدوية نمنع بها الدورة الشهرية، فلا يمكننا الحياة، ولا حتى الموت بسلام.

 «سارة»: نحيا موتى.. ما بدى خلفة بعد استشهاد ابنى 
 

سارة أحمد سيدة فلسطينية، تتحدث بصوت خافت ومرتجف، تكبح فيه الدموع وهى تتحدث لـ«اليوم السابع» حول وضع الأطفال والسيدات فى غزة، السيدة تتظاهر بالقوة قائلة: «خلاص ما بدى خلفة ما بدى أطفال.. أنا تعبت يا ناس ما بدى عيال بعد طفلى الذى استشهد قبل عامين»، واصفة الإنجاب فى تلك الأحداث بأنه كارثة حقيقية، مؤكدة أنها اختارت عدم الإنجاب حيث إن الظروف غير مناسبة إطلاقا، لأن الفلسطينيين جميعهم خارج حدود الحياة،

السيدة الفلسطينية سارة صاحبة الـ38 عاما، تظل ليل نهار تتابع تفاصيل المحادثات والمفاوضات عبر شاشة هاتفها الصغير، أملا فى الوصول لخبر يدخل الفرحة المؤقتة عليها بـ«إعلان وقف الحرب» على غزة، وعودتها إلى منزلها الذى دمر فى المنطقة الوسطى بالقطاع وفقدان أحباء وأصدقاء لها.

تابعت «سارة» قائلة: أخدت قرارا.. ما بدى خلفة، لأن الأطفال عندنا يعنى معاناة وخوف ونحن عاجزون وغير قادرين على تأمين أبسط الأمور لهم، لا تتاح لنا أى فرصة لإسعاد أطفالنا الذى يموتون ويقتلون بسبب الحروب، حياتنا ماشية بـ«ريحة البر»، نموت كل يوم واحنا على وش الدنيا.

تحكى «سارة» عن شقيقتها منى، الأصغر منها سنا، والأسوأ حظا على حد تعبيرها، التى وضعت طفلها ثانى يوم اندلاع الحرب على غزة، واصفة ولادتها بأنها كانت كارثة حقيقية، مضيفة: أختى ولدت بدون بنج، وخرجت من المستشفى بعد الولادة بدقائق بسبب عدم توافر أسرة ونقص فى الإمكانيات، وقفنا عاجزين ومنكسرين أمام هذا المشهد، وتبرع كل منا بمبلغ مالى سواء من الأقارب والجيران لتوفير ملابس صيفية للمولودة، التى كانت ترتعش فى أيام شديدة البرودة.

وتابعت السيدة الفلسطينية الحديث عن شقيقتها بعد الولادة: بالغرز المفتوحة المؤلمة نزحت حاملة طفلتها وحدها لتعيش فى خيمة الآن على شاطئ بحر مواصى بمدينة خان يونس جنوب غزة، فى ظل البرد القارس، وانقطعت أخبارها عنى، وختمت متسائلة: «كيف بدى خلف وأحمل فى هيك ظروف.. هل أنجب طفل لأعذبه، هكذا الظروف والحياة».

سيدات غزة والداية
سيدات غزة والداية

حياة الفلسطينيات.. قهر وعجز وقلة حيلة

لا شك أن الوضع فى غزة لا يمكن وصفه بالكلمات، تتخوف بعض السيدات الفلسطينيات من الحديث لوسائل الإعلام حول الوضع فى المخيمات التى يوجد بها النازحين، خوفا من استهدافهن والتنكيل بهن.

حدثتنا هند أحمد، وهو اسم مستعار اختارته مواطنة فلسطينية تعيش فى غزة مع أسرتها فى مركز للإيواء، واصفة المشهد بالصعب والقاسى جدا على كل النازحين، ووصفت السيدة البسيطة المشهد بكلمات بسيطة معبرة وقاتلة: «نحن أموات ولسنا أحياء، غزة عادت بكل ما فيها للعصر الحجرى، عادت «القابلة أو الداية» لتولد السيدات بعد أن اختفت كل الخدمات والإمكانيات»، مؤكدة أن «الداية» فى غزة تستخدم حاليا مقص المنزل، إن وجد، وتقوم بتدفئة مياه الولادة على موقد صنعته عائلتها يدويا من علبة صفيح، أو يقوموا بتسخين المياه على الحطب، فى حاويات قديمة ملوثة.

وأضافت السيدة الفلسطينية: «النساء فى غزة تعانين معاناة مضاعفة، فلا وجود للفوط الصحية للدورة الشهرية، ولا أدوات نظافة، حتى الصابونة لا يمكن الحصول عليها بسهولة، فى ظل انقطاع المياه والخدمات انتشرت الأمراض الجلدية وانبعثت الروائح الكريهة بالمركز»، مضيفة: المشهد مخز ولا أحد يسأل عن الآخر، غزة لا تتوافر بها أبسط قواعد النظام، والأمان اختفى تماما.

السيدة الفلسطينية تحدثت لـ«اليوم السابع» وهى فى حالة خوف وهلع، حيث يسمع فى الخلفية صوت الطيران الحربى الإسرائيلى، قائلة: سيدات العائلة تضعن أيديهن على بطونهن خوفا من اقتراب موعد الولادة، لا يردن ولادة أطفالهن فى تلك الأجواء المأساوية.

سيدات فلسطينيات أمام النار للتدفئة في ظل البرد الشديد
سيدات فلسطينيات أمام النار للتدفئة في ظل البرد الشديد

 

 «أم ليان».. خوف وهلع وفقدان للوعى فى ولادة متعثرة
 

 «أم ليان» شابة فلسطينية نازحة تسكن مدرسة إيواء، تقول عن ظروف ولادتها لطفلتها: أنجبت طفلتى فى مدرسة دون وجود قابلة، وتعرضت لنزيف حاد غبت بسببه عن الوعى، واستيقظت بعد فترة وزوجى بجانبى يخبرنى بأنهم نجحوا فى إنقاذ حياتى وحياة ابنتنا ليان، بكيت كثيرا فأنا لا أعرف مصير حياتنا خلال الفترة المقبلة، وتساءلت عن كيفية رعاية نفسها وطفلها فى هذه الظروف مع عدم وجود أدنى مقومات الحياة فى غزة.

ليان مع والدتها بعد ولادة متعثرة وصعبة
ليان مع والدتها بعد ولادة متعثرة وصعبة

 

إيمان المصرى.. الجوع يحاصر الأم والتوائم

وعن ما تعانيه الحوامل فى غزة من انعدام الأمان المعيشى والغذائى لهن ولأطفالهن، تقول السيدة الفلسطينية النازحة إيمان المصرى: «أنجبت 4 توائم فى غزة تحت قصف العدوان ومشاق النزوح، وأكافح من أجل الحفاظ على حياتهم»، مضيفة: أنجبتهم مع عدم توافر طعام أو غذاء لى كى أتمكن من إرضاعهم، وكذلك مع نقص الحليب بالصيدليات، فترة صعبة وقاسية لأنى كنت دائما خائفة وقلقة، وكأنى حملت بأربع أطفال وليسوا توائم.

معاناة السيدات الفلسطينيات في غزة
معاناة السيدات الفلسطينيات في غزة

 

حوامل ومواليد غزة ضحايا الإجهاض والولادة فى الشوارع

يتزايد الشعور بالخطر والقلق فى غزة مع اقتراب موعد الولادة، فلا حياة أمام النساء كى يتمكن من الحلم لأنفسهن أو لأجنتهن، ولا مستقبل أمامهن كى يشعرن بالفرح لقدوم أطفالهن لهذا العالم، بالعكس يزاد الخوف والرعب، وتتمنى كل سيدة لو أنها تواجه هذه المصائر وحدها دون طفل محتمل يعانى حتى من قبل خروجه للحياة الصعبة والقاسية.

هذا الوضع الذى كشفته الإحصائيات الصادرة عن مكتب الإعلام الحكومى فى غزة، حتى اليوم الـ95 للحرب، رصد فيه عدد السيدات الفلسطينيات اللائى قتلن فى الحرب، حيث وصل عددهم لـ7 آلاف سيدة، وحوالى 10 آلاف طفل وأكثر من 7 آلاف مفقود 70% منهم أطفال ونساء.

وثق «اليوم السابع» شهادات من أسر فلسطينية أكدوا ارتقاء زوجاتهم الحوامل أو الأطفال حديثى الولادة خلال قصف للطيران الحربى الإسرائيلى على مواقع للفصائل الفلسطينية فى غزة.

سيدة فلسطينية تفترش الأرض في رفح الفلسطينية
سيدة فلسطينية تفترش الأرض في رفح الفلسطينية

 

 50

ألف امرأة حامل فى غزة يواجهن تحديات غير مسبوقة

ذكر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، الشهر الجارى، أن 50 ألف امرأة حامل فى غزة يواجهن تحديات غير مسبوقة فى ظل عدم وجود مستشفيات تعمل بكامل طاقتها، مع تسجيل إجراء 16 عملية ولادة قيصرية أجريت لنساء فى غزة بدون تخدير.

وعن وضع السيدات الفلسطينيات فى غزة، خص الدكتور أحمد المنظرى، المدير الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية، «اليوم السابع»، بحديث عن وضع الحوامل بشكل خاص فى القطاع، مشيرا إلى أن حوالى 52 ألف فلسطينية حامل فى غزة منهن 5500 سيدة يتوقع أن يلدن خلال الشهر الجارى، مؤكدا أن عدد الولادات يبلغ فى المتوسط 183 ولادة فى اليوم، منها 20 حالة بحاجة لرعاية متخصصة.

توقع «المنظرى» أن يتطلب 15% من الولادات شهريا أى 700 ولادة، إجراء عمليات قيصرية، كما أن 20% من إجمالى النساء الحوامل معرضات للولادة المبكرة، وتواجه واحدة من كل 4 سيدات مخاطر عالية خلال الولادة، فى وقت تتردى فيه أوضاع القطاع الصحى بشكل متسارع نتيجة لأحداث العنف المتصاعدة فى القطاع، والقصف المتواصل والمتعمد للمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية وتباطؤ وصول الإمدادات الطبية لغزة نتيجة الأعمال العدائية والقصف المستمر للممرات الآمنة.

وحول رأيه فى عمليات الولادة التى تجرى فى غزة خارج أسوار المستشفيات، أوضح أنه مع توقف النسبة الأكبر من المستشفيات فى غزة عن العمل أو عملها بشكل جزئى، تضطر النساء وأسرهن إلى إجراء الولادات خارج المستشفيات وبدون الرعاية الطبية الضرورية، وفى ظروف شديدة الصعوبة تفتقر إلى الاشتراطات الصحية، مما يعرض الأمهات والمواليد لمخاطر جمة، مشيرا لعدم توافر أى إحصاءات عن عدد النساء اللاتى أجهضن فى غزة.

وأعرب «المنظرى» فى حديثه لـ«اليوم السابع» عن أسفه لحرمان جميع سكان القطاع من الاحتياجات الأساسية، بما فى ذلك الغذاء والمياه والوقود والأدوية والمستلزمات الطبية والصحية، ما يؤثر على النساء ويحرمهن من احتياجاتهن الشخصية ولوازمهن الضرورية، مشيرا إلى شح المساعدات الإنسانية التى تصل إلى غزة يوميا، جراء العراقيل التى تواجه مرور الشاحنات إلى داخل القطاع.

تتعرض النساء والفتيات الفلسطينيات الباحثات عن الأمان فى الملاجئ المكتظة بدون طعام أو ماء أو خصوصية لمخاطر حماية متزايدة، بما فى ذلك العنف القائم على أساس نوع الجنس، حيث تم تشريد أكثر من 493 ألف امرأة وفتاة بالقوة فى غزة، بما فى ذلك أكثر من 900 أسرة ترأسها نساء وفتيات حديثا، وفقا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

الدكتور أحمد المنظري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية
الدكتور أحمد المنظري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية

 

زيادة العنف ضد المرأة الفلسطينية فى ظل الصراع المسلح

كشف تقرير صادر عن الأونروا فى 6 يناير الجارى عن مقتل ما لا يقل عن 22.835 فلسطينيا فى قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضى، موضحا أن حوالى 70% من الذين قتلوا هم من النساء والأطفال بحسب التقارير، وتفيد التقارير الصادرة عن الصحة الفلسطينية بأن 58.416 فلسطينيا آخر قد أصيبوا بجروح.

يضيف «المنظرى» نقلا عن تقرير الأونروا: تقدم القابلات الرعاية الطبية للنساء بعد الولادة والحوامل المعرضات لمخاطر عالية فى المراكز الصحية الثمانية العاملة، وفى يوم 31 ديسمبر الماضى تمت رعاية ما مجموعه 130 حالة ما بعد الولادة وحالة حمل عالية الخطورة فى المراكز الصحية.

 

أطباء مصريون: الرعب يوقف الدورة الشهرية ويجهض الحامل ويقتل الأجنة ويقطع لبن المرضع.. وآنسات غزة مهددات باضطراب الهرمونات وتوقف الدورة الشهرية والعقم وسرطان الرحم

عن أوضاع نساء غزة المتردى، علقت الدكتورة عبلة الألفى، أستاذ أمراض النساء والتوليد بطب قصر العينى، خلال تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، تعليقا على الوضع فى غزة، أن نساء غزة بطلات، فهن تحت ضغط نفسى غير عادى، يجعلهن عرضة لكل الأمراض والاضطرابات الهرمونية الممكنة، فهن بسبب الضغط النفسى القاتل، يصبحن عرضة للإجهاض والولادة المبكرة وولادة أطفال مبتسرين تكون فرص بقائهم أحياء شبه معدومة، فضلا عن أن المرضعة حتى بعد الولادة تصبح عرضة لانقطاع لبن الثدى نتيجة الاضطراب النفسى الشديد التى تشعر به.

دكتورة عبلة الالفي أستاذ التوليد والولادة بقصر العيني
دكتورة عبلة الالفي أستاذ التوليد والولادة بقصر العيني

وعن «الداية» وعودتها بقوة بعد انتفاء الخدمات الصحية وقصف المستشفيات، قالت «عبلة»: إن السيدات الفلسطينيات مجبرات على هذه الحلول، ويصبحن بذلك عرضة للعدوى البكتيرية والفطرية والفيروسية، خاصة من خلال الجروح المفتوحة، ونتيجة استخدام أدوات غير معقمة، كالمقص والسكين المنزلى، ما يزيد فرص الإصابة بالالتهابات التى تسبب العقم عاجلا أو آجلا نتيجة عدم علاجها السريع خلال فترة النفاس.

أضافت أستاذ النساء والتوليد: إن السواد الأعظم من الفلسطينيات يصبحن فى مهب الإصابة بحمى النفاس، الذى يجعلهن عرضة للموت المحقق، والناجية منهن تصاب بالعقم المحقق أيضا.

وعن ولادة الفلسطينيات قيصريا بدون بنج، أكدت على أنهن فريسة الموت المحقق، نتيجة الصدمة من الألم، واصفة هذه العملية بأنها «غير آدمية» ولا يتحملها بشر.

وعن تناول بعض فتيات غزة أدوية لإيقاف الدورة الشهرية، نتيجة انعدام توفر الفوط الصحية، قالت: «لا تحتاج لإيقاف الدورة ومنعها، فالضغوط النفسية والخوف والرعب من القصف والظروف القاسية، كفيلة بمنع الدورة واضطراب الهرمونات»، محذرة أن تناولهن لتلك الأدوية- إن صح ما يتردد- إن وجدت بالأساس، فهى خطر داهم على صحتهن، لأن تناول هذه الحبوب بطريقة متصلة وبشكل عشوائى يعرضهن فى تلك الحالة لاضطرابات بالهرمونات عالية بشدة، وتصبحن عرضة لارتفاع ضغط الدم، وتزيد من فرص الإصابة بالسرطان والأورام الرحمية مستقبلا.

حوامل غزة مهددات بالنزيف وحمى النفاس والتيتانوس والموت «حتمى» لأغلبهن

وفى السياق ذاته، وعن نفس المعاناة والألم المضاعف لسيدات غزة، واضطرارهن للولادة على يد «الداية»، يقول الدكتور حسام الشنوفى، أستاذ النساء والتوليد والعقم بقصر العينى، خلال تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»: التطور الطبى على مر الزمان منذ عام 1800 كان يهدف تقليل وفيات السيدات عند الولادة، والحد من مخاطر النفاس وما بعد الولادة التى كانت تحدث بسبب طرق الولادة على يد «القابلة والداية»، وفى المنازل، ومن هنا وصلنا لعصر الولادات فى المستشفيات، وتحت يد أطباء خبراء وفى درجات تعقيم عالية، وهو ما انتفى حدوثه فى غزة بسبب الأوضاع الصحية المدمرة، فعاد أهل غزة للوراء، وعادات مع «الداية» كل المشكلات المرضية ونسب الوفيات- بل زادت- نتيجة تدمير المنظومة الصحية تماما.

عادت غزة مضطرة لعصر «الداية»، ولذلك أصبحت السيدات عرضة وبشدة للنزيف أثناء الولادة، والعدوى البكتيرية، والجروح المفتوحة، التى تحدث مشكلات فى الجهاز البولى والتناسلى، والالتهابات التى تصل إلى الأنابيب وتقوم بسدها، وتسبب التصاقات الرحم، كل ما فات يسبب العقم دون شك، إن لم يكن الوفاة الحتمية بسبب النزيف الشديد والعدوى.

دكتور حسام الشنوفي أستاذ نساء وتوليد قصر العيني
دكتور حسام الشنوفي أستاذ نساء وتوليد قصر العيني

لم تقف مخاطر اللجوء لـ«الداية» عند هذا الحد، بل أكد «الشنوفى» على أن تلوث الأدوات البدائية المستخدمة فى التوليد، يؤدى إلى الإصابة للأم والمولود بـ«التيتانوس»، ما قد يؤدى إلى وفاتهما، وكذلك المولود الذى يصبح عرضة للعدوى والوفاة نتيجة استخدام «المشبك» فى ربط سرته.

الولادة من رحم أم متوفاة.. طفل فاقد أمه قبل رؤيتها

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى مقطع فيديو يظهر ولادة طفل فلسطينى من رحم أمه بعد استشهادها، وسط القصف فى غزة، ونقل الفيديو مشهدا ليس بغريب على القطاع وأهله، حيث نجاح الأطباء فى توليد السيدة التى ارتقت فى قصف للطيران الإسرائيلى، وخرج جنينها من رحمها حيا، فى مشهد يعكس معنى الصمود الفلسطينى حتى فى الأجنة داخل الأرحام.

وعن مدى إمكانية ولادة الطفل من رحم أم متوفاة، وفرص بقائه على قيد الحياة، قال الدكتور حسام الشنوفى: الولادة لدى الأم المتوفاة تحكمها السرعة، فتوقف عضلة قلب المريضة الحامل يستلزم ولادتها بأقصى سرعة، بحد أقصى عشر دقائق يمكن للجنين فيها بقاؤه فى رحم أمه بعد وفاتها، وذلك لأنه لا يمكنه تحمل نقص الأكسجين أكثر من هذه الدقائق، ووجوده أكثر من هذا الوقت يرفع فرص إصابته بنقص الأكسجين فى المخ، وإصابته بالإعاقات الذهنية المخية المختلفة، وكذلك الوفاة.

وأوضح الدكتور حسام أن تقنية توليد الطبيب للأم التى توقفت لديها عضلة القلب، أحد أهم العمليات القيصرية المتعارف عليها فى علم الولادة، والتى تصبح فى تلك الحالة عاملا مساعدا لإنعاش قلب الأم، التى توقفت عضلة قلبها دون سبب مرضى أو بسبب التعرض لحادث أو غيره، وبعض الأمهات تعود بالفعل عضلة قلبها للعمل بمجرد الولادة لأنها تعمل على تحفيز العضلة.

وتابع أستاذ النساء والتوليد حديثه بالقول: الجنين الذى يولد فى مثل هذه الأجواء من رحم أم متوفاة، لا بد من عرضه على استشاريين متخصصين فى حديثى الولادة، لفحص تنفسه وحالة رئتيه وعلاماته الحيوية، وهو ما لا يتوفر فى حالة الأوضاع المتردية فى غزة، مما يضيف معاناة أخرى للسيدات والمواليد.

تحديات عدة تواجه السيدات الفلسطينيات النازحات إلى جنوب قطاع غزة، فى ظل الحرب المستمرة على القطاع منذ أسابيع دون توقف، فضلا عن الضغوطات النفسية التى تعانى منها الحوامل مع تعرض بعضهن للعنف الأسرى، نتيجة حالة عدم الاستقرار الأسرى التى ضربت مئات آلاف الفلسطينيين، الذين يأملون فى وقف الحرب والعودة إلى حياتهم فى أقرب فرصة ممكنة.

 

معاناة السيدات الفلسطينيات في غزة
معاناة السيدات الفلسطينيات في غزة

 

معاناة سيدات قطاع غزة في رفح
معاناة سيدات قطاع غزة في رفح

 

معاناة كبار السن في مخيمات اللجوء برفح
معاناة كبار السن في مخيمات اللجوء برفح

 

السيدات الفلسطينيات ومعاناة مستمرة في غزة
السيدات الفلسطينيات ومعاناة مستمرة في غزة

 

سيدات غزة والداية
سيدات غزة والداية

 

سيدة فلسطينية مسنة في شوارع رفح
سيدة فلسطينية مسنة في شوارع رفح

 

مخميات غير آمنة تهدد حياة سيدات غزة
مخميات غير آمنة تهدد حياة سيدات غزة









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة