مصاطب الأرز مزارع معلقة عمرها 2000 عام

الصينية دخلت أخيراً قائمة التراث العالمي
13:13 مساء
قراءة 5 دقائق

عند رؤية الصور المذهلة لمصاطب الأرز في جنوب شرقي آسيا، ستتأكد أن هذه المصاطب هي صورة صغيرة لمشهد أكبر اسمه فن المناظر الطبيعية . ومصاطب الأرز هو قطاع مسوّى من الأرض في منطقة زراعية منحدرة لحفظ التربة من الانجراف وللحد ما أمكن من الانسيال السطحي لمياه المطر والري .

وتتشكل تلك الأراضي في الأغلب في عدة مصاطب، ما يعطيها شكل الدرج . والتصميم البشري لزراعة الأرز في مصاطب تتبع خطوط الكونتور الطبيعية للتضاريس في جروف (خنادق) الحرث الكونتوري، واستخدم الإنكا منحدرات يستحيل استخدامها بأي طريقة أخرى ببناء حوائط حجر جاف لخلق المصاطب . هذا النوع من استخدام الأرض شائع في العديد من بلدان جنوب شرقي آسيا والبيرو، ويستخدم لمحاصيل تتطلب الكثير من الماء، مثل الأرز . والمصاطب الصينية دخلت أخيراً قائمة التراث باعتبارها نظاماً زراعياً فريداً منذ آلاف السنين، والمصاطب أيضاً أسهل في البذر والحصاد الميكانيكي واليدوي من الأراضي ذات الانحدارات العالية، وتقنية زراعة الأرز لم تتغير من قديم الزمان الى الآن، ما يجعل لهذه المزارع نكهة تستمتع بها الحواس كافة وتتمازج مع عبق الماضي . ومصاطب أو مدرجات الأرز في الفلبين أو مصاطب إيفوغاو، كما يلقبها السكان الأصليون فى الفلبين، عبارة عن مصاطب أو مدرجات تم نحتها فى الجبال منذ ما يقرب من ألفي عام من قبل أسلاف الفلبينين الأوائل يدوياً باستخدام بعض الآلات البدائية بهدف أن تصبح صالحة للزراعة . وتقع مصاطب الأرز على ارتفاع (1500م) فوق مستوى سطح البحر وتشغل مساحة قدرها نحو 360 .10 كم مربع من سفح جبال بناوه في مقاطعة ايفوغاو فى جزيرة لوزون إحدى جزر الفلبين . ويقال إن هذه المصاطب إن تم جمعها جنباً إلى جنب فإنه من الممكن أن تغطي مساحة قدرها 25 ألف كيلومتر مربع، وبمقارنتها بسور الصين العظيم والذي يصل طوله الى 6 آلاف كيلو متر فلا عجب أن توصف هذه المصاطب بأنها الأعجوبة الثامنة في العالم . وتقول الأسطورة الفلبينية القديمة إنه لو وضعت المدرجات جنباً إلى جنب ستشمل نصف سطح الكرة الأرضية . ووضعت هذه المدرجات على قائمة الخطر من قبل منظمة اليونسكو للتراث العالمي في عام ،1985 لكن في العام 1995 تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو وفي العام 2012 تم شطبها من قائمة التراث المهدد بالفناء وأصحبت منذ ذلك الحين مصدر جذب للسياحة المستدامة التى تهدف إلى الحفاظ على البيئة الطبيعية لمصاطب بناوه، وتم تجهيزها بالعديد من وسائل الإقامة البدائية المكونة من أكواخ من الخشب أو القش ويوجد بعضها في سفح الجبال وأخرى في قلب المصاطب نفسها، حيث يتوافر للمتأمل من شرفتها رؤية ما تشتهيه عينه من الجمال الطبيعي للون الأخضر الممزوج بالأزهار الوردية واللون البني للصخور في لوحة طبيعية خلابة من صنع الخالق . والواقع أن مصاطب الأرز في قرية باتاد الجبلية الواقعة في سلسلة الجبال الوسطى في شمال جزيرة لوزون، على بعد نحو 330 كيلومتراً شمال مانيلا تعاني هجرة السكان المحليين في الوقت الحالي نظراً لبعدها وتطرفها عن مركز الحضارة كما أنها منطقة لا يمكن الوصول إليها بسهولة فضلاً عن بحث عن فرص عمل أكثر مردودية وأقل تعباً وعناء . ولكن ما الذي أنقذ مصاطب الأرز التي بناها شعب إيفوغاو حتى الآن؟ يقول روميو هيبوغ الذي يعتبر بمثابة عمدة بتاتد: الواقع أن مزارعي الأرز قاموا بزراعة هذه المدرجات وبذلوا رغم كل الصعوبات جهوداً حثيثة للمحافظة على حدودها لتبقى سليمة وصيانة نظام الري القديم فيها ما شكل تربة ثمينة وخصبة حتى يومنا هذا . ويضيف هيبوغ : هذه المصاطب مكتفية ذاتياً ومنسجمة مع الطبيعة من دون تدخل حضاري وتروى بتدفق المياه من ينابيع الغابات المطيرة في سفوح الجبل من خلال تركيبة معقدة لجمع مياه الينابيع الجبلية، ونقله عبر أنابيب الخيزران والسدود والأحواض لمصاطب الأرز ومن ثم يتبخر الماء من مصاطب الأرز ليشكل الغيوم التي تهطل على سفوح جبال غابة المطر ليعود مجدداً الى المدرجات، ما يعني أنها تروى بعلاً .

طقوس الحصاد المثمر

يشير أوغيستو فيلالوون أحد المهندسين الزراعيين الذين أسهموا في الحفاظ على هذه المصاطب، إلى أن العمل في زراعة الأرز عمل مرهق حيث تشارك النساء في إلقاء البذور أو غرس الشتلات ثم يقوم الرجال بتسوية الأرض وحصد الإنتاج مرة واحدة في السنة وذلك بشكل يجعلها تتلألأ جمالاً طوال أيام السنة، لتقوم بتشكيل منظر سحري إلى جانب رائحة التراب والهواء المملوء بالرطوبة وبالنقاء العذري الذي لم تصل إليه يد الحضارة البشرية لتلوثه . ويضيف أوغيستو فيلالوون أن العمل في مصاطب الأرز يسير وفقاً لطقوس قديمة يبلغ عددها 27 طقساً في السنة وينفذها راهب يدعى مومباكي، بهدف الإبقاء على حصاد مثمر وأرض خصبة .

وفي العام 2001 بدأت السلطات المحلية بإطلاق جرس الإنذار، فقد لوحظ أن نسبة المياه آخذة في النقصان بسبب السياحة وارتفاع درجة حرارة الطقس كما أن الأسياج المحيطة بالمصاطب بدأت تتفتت من جراء هجوم الديدان الأرضية عليها التي يبلغ طولها 50 سم أحياناً . وأمام هذا الخطر فضل العاملون في هذه المصاطب البحث عن فرص عمل أخرى حيث يقول مواز أمبوجين وهو مالك ل 25 مصطبة في البلدة: نكسب يومياً هنا ما يعادل 4 يوروهات ولكن في المدينة نكسب أكثر من ذلك بكثير، ولذا فضل أربعة من أبنائي ترك العمل في المصاطب والذهاب إلى المدينة أما أنا فأكسب المال في العمل كمرشد سياحي!

إجراءات وقائية فعالة

إزاء هذا الخطر تحركت المنظمات العالمية والمحلية وخصصت مبالغ مالية للمحافظة على هذه المصاطب التاريخية، وجاء خبراء زراعيون من العاصمة مانيلا وطالبوا السكان المحليين بضرورة إدخال تقنيات حديثة في الزراعة والري والحصاد واستخدام المبيدات وزراعة أنواع من الأرز غير المحلي وتدعيم الأسيجة بالحجارة بدلاً من الأخشاب، واستبدال قنوات الري المصنوعة من البامبو بأنابيب بلاستيكية كل ذلك للتقليل من الجهد المبذول والحصول على مردودية مالية أفضل .

فضلاً عن ذلك فإن هذه المنطقة تضرب عادة بالتيفون (الأعاصير المدارية الآسيوية) وتتعرض لزلازل صغيرة تؤدي إلى إحداث تلف في هذه الأنظمة الأمر الذي يؤدي إلى فقدان كمية كبيرة من المياه .

ومن الخطوات التي اتخذتها السلطة المحلية في باتاد تنظيم دروس تعليمية يقدمها كبار السن للشباب واستخدام تقنيات زراعية محلية تصاحبها الموسيقا تسمى الهدهد، وهي عبارة عن مجموعة أغنيات وترتيلات مصنفة ضمن الإرث اللامادي للإنسانية . ويقول المزارع الشاب كريستوفر إليوج : رجعنا إلى منطقة تيناون لزراعة نوعيات جديدة من الأرز الأحمر الذي يحتاج إلى سبعة أشهر من الزراعة خاصة أنه يقدم لنا غلة أقل من غيرها لكنها أكثر غلاء حيث يصل سعر الكيلو الواحد إلى 120 بيسو (3 .2 يورو) مقابل 30 بيسو للأرز التقليدي . ولكي يتم دعم هذا الأرز لم تستخدم المواد الكيماوية بل استبدلت بأسمدة تقليدية مثل أزهار عباد الشمس وفضلات الدجاج وقد آتت الجهود أكلها بالفعل ففي العام 2012 تم شطب هذه المصاطب من قائمة الإرث المهدد بالانقراض غير أنها لم تزل هشة، فوفقاً لدراسة أجريت في العام 2011 في منطقة هوانغدوان فإن سبعة فلاحين من أصل عشرة لا يمكنهم المحافظة على المصاطب في حالة جيدة دون تلقي أية مساعدة خارجية خاصة أن الإصلاحات المكلفة جداً لا تظهر فائدتها إلا بعد سنوات عدة، ولذا فإن السكان هناك يسخرون من مسألة إدخال هذه المصاطب في قائمة الإرث العالمي لكنهم يدركون أن السياحة تجلب الاستقرار للبعض . ويقول روميو هيبوغ إذا كان بعض الفلاحين قد هجروا مصاطبهم إلا أن آخرين عادوا رغم جميع الصعوبات بل ويذهب روميو هيبوغ بعيداً في تفاؤله عندما يشير إلى أن 97% من الفلاحين لن يتركوا مصاطبهم ليكملوا ما بدأه أجدادهم محافظين على إرثهم القديم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"